دار نقاش محدود في الآونة الاخيرة بشأن المعارضة السورية، وتناول النقاش في جانب منه واقع المعارضة من جوانب، تتصل بتعدد اطراف المعارضة وتنوعها وبانقساماتها وبرامجها.

وعلى رغم ان بعضا من النقاش جرى على خلفية التهجم على المعارضة السورية بالتزامن مع ما تتعرض له من حملات سياسية وامنية تقوم بها السلطات ضد الحراك العام، فان ذلك فتح بابا نحو التوقف عند بعض ملامح وسمات المعارضة، لكن من بوابة الاختلافات فيها.

والدخول في اختلافات المعارضة السورية، يتطلب بيان فرق اساسي بين اتجاهين في المعارضة، اتجاه أول تمثله الجماعات الموجودة في الداخل، ويغلب على جماعاته طابع التنظيمات التاريخية، والاتجاه الثاني، وغالبية جماعاته تم تشكيلها في الخارج، ابان السنوات القليلة الماضية، ويسمح هذا الاختلاف ببروز اختلافات تتصل بهذا الجانب من التمايز من حيث طبيعة التنظيم والشعارات والعلاقات التي تحكم الجماعات والتنظيمات السياسية ببعضها بعضا وبعلاقاتها مع الغير بما فيه علاقاتها مع دول ومنظمات غير سورية.

ان الابرز في المعارضة السورية في الداخل، اربع مجموعات اساسية، اولها التجمع الوطني الديمقراطي، وهو اتئلاف تم اعلانه بداية الثمانينات من تحالف جماعات قومية ويسارية الأبرز فيها حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي الناصري الاتجاه، والحزب الشيوعي السوري "المكتب السياسي" الذي تحول اسمه أخيرا الى حزب الشعب الديمقراطي، ثم حزب العمال الثوري، وعلى رغم ان لهذا الاتئلاف باعتباره كيانا موحدا في المعارضة ناطقا رسميا هو المحامي حسن عبدالعظيم، فان هناك اختلافات بين الاطراف المندرجة فيه، وهي اختلافات ايدلوجية وسياسية، ناتجة عن الطبيعة السياسية المختلفة لعقيدة وتجربة كل تنظيم، يترتب عليها اختلاف تصورات كل منها عن مستقبل سورية وهذا امر ملموس في التوجهات البرنامجية للجماعات المندرجة في اطار التجمع الوطني الديمقراطي.

والمجموعة الثانية من المعارضة السورية في الداخل، ذات تكوين حديث غالبيتها تم إعلانه في السنوات الخمس الاخيرة، التي حفلت بحراك ثقافي واجتماعي، وتتألف هذه المجموعة من هيئات مدنية وحقوقية بينها لجان احياء المجتمع المدني واربع منظمات لحقوق الإنسان اطلقها نشطاء من المثقفين والعاملين في حقل العمل العام وبينهم عدد السياسيين الذين خرجوا من تجاربهم الحزبية القديمة، وعلى رغم ان هذه التكوينات المعارضة لا تملك برامج سياسية، فإنها تطرح رؤى وشعارات تدفعها موضوعيا في اتجاه المعارضة.

وتشكل الاحزاب والتنظيمات غير العربية وفيها أكثر من خمسة عشر حزبا كرديا اضافة إلى المنظمة الآثورية الديمقراطية، المجموعة الثالثة من جماعات معارضة الداخل السوري، وعلى رغم تنوع تاريخ تشكيل هذه الجماعات، فإن اساسها تاريخي، اذ يعود تاريخ تشكل المنظمة الآثورية الى نحو 50 عاما مضت، وهو تاريخ يتماثل مع تاريخ تأسيس أول احزاب الحركة الكردية في سورية، ولمعظم تكوينات هذه المجموعة برامج سياسية، تعبر عن طبيعتها واهدافها القومية، التي وان بدت متجانسة - بالنسبة إلى الاكراد - فانها في مضمونها وفي حراكها السياسي مختلفة، وهو الامر الذي يجعل الجماعات الكردية منقسمة في ثلاث تكتلاتة، الجبهة الكردية والتحالف الكردي، ثم مجموعة احزاب خارج المجموعتين السابقتين، وتتنوع المجموعة الاخيرة بين القديم مثل حزب يكيتي وحديث التشكل مثل تيار المستقبل الكردي.

اما المجموعة الرابعة من معارضة الداخل، فكلها احزاب حديثة التشكل، أو هي نويات لاحزاب تنتظر صدور قانون ينظم الحياة السياسية لإعلان قيامها، وبين المجموعة الاولى، حزب النهضة الوطني الديمقراطي في سورية، وفي الثانية التجمع الليبرالي الديمقراطي العلماني "عدل". ومعظم هذه التكوينات السياسية، لها توجهات سياسية عموما تجعل معظمها في المسافة بين الموالاة والمعارضة، لكن عدم وجودها داخل اطر السلطة يجعلها في الطرف الثاني بصورة موضوعية.

وتتوزع المعارضة السورية في الخارج إلى ثلاث مجموعات، اول هذه المجموعات هي التنظيمات الدينية، التي لها وجود تاريخي في سورية وابرزها جماعة الاخوان المسلمين، التي تتخذ قيادتها من لندن مقرا لها، وقد اجرت هذه الجماعة عددا من التحولات السياسية في برامجها وتوجهاتها السياسية، ليقوم نشاطها على العلنية والعمل السلمي والتعددية والمشاركة السياسية، بل انها طرحت رؤى برنامجية لتحالفات تعبر عن هذه التوجهات.

والمجموعة الثانية من معارضة الخارج، تمثلها احزاب وجماعات جرى تشكيلها في السنوات الاخيرة مثل التجمع من أجل سورية، وحزب الحداثة والديمقراطية، وجزء منها جرى اطلاقها برعاية دوائرة اجنبية وبالعلاقة معها، كما هو حال حزب الإصلاح السوري الذي اسسه فريد الغادري العام 2002 بدعم اميركي، وانتقل بعدها في العام 2003 للمشاركة في تشكيل "التحالف الديمقراطي السوري" من "أحزاب سياسية ومؤسسات سورية غير حكومية وشخصيات مستقلة"، وتتجه رؤى ونشاطات المنضوين في هذه المجموعة نحو تغيير النظام الحاكم، واستبداله بنظام ليبرالي حر.

أما المجموعة الثالثة من معارضة الخارج، فاساسها انشقاق عن مؤسسة النظام الحاكم في دمشق. ويقوده عم الرئيس واحد اركان النظام رفعت الأسد، إذ كان نائبا لرئيس الجمهورية وقائدا لـ "سرايا الدفاع"، وتحول إلى المعارضة وأعلن اهدافه في السعي الى "تغيير الدستور وإجراء انتخابات حرة ونزيهة والسماح بالتعددية الحزبية وحرية الصحافة واحترام حقوق الانسان وحقوق المرأة بشكل خاص ومحاربة الفساد واصلاح القضاء والمحاكم، وعدم السماح لأي تدخل خارجي في الشئون الخاصة لسورية" بحسب تصريحاته.

وكما هو واضح، فإن اختلافات المعارضة السورية تبدو كثيرة وكبيرة، غير ان جزءا من هذه الاختلافات، قد يكون لامعنى له، سواء بسبب هامشية بعض القوى، او نتيجة عدم جدية بعضها في الاندراج في اطر المعارضة، او بسبب عدم تمتع بعض القوى بأية صدقية لدى الجمهور، أو للأسباب السابقة معا خصوصا بالنسبة إلى الجماعات والاحزاب الموجودة في الخارج، التي ليس من اختبارات جدية وعملية في موضوع انتمائها للمعارضة، وقدرتها على المشاركة العملية فيها، وهي مشاركة ضعيفة حتى من الناحية الاعلامية بالنسبة إلى غالبية الجماعات.

غير ان امر اختلافات المعارضة، قد يكون له معنى آخر، اذا كان حصر الاختلافات مقدمة لتفاهمات بين الاطراف واصحابها، ما يهيئ لبرامج وتوافقات تتجاوز الاختلافات او تؤجلها في المدى المنظور، وقد يكون ذلك هدف ملح بالنسبة إلى الجماعات المعارضة في الداخل، أو على الأقل بالنسبة إلى القوى والجماعات ذات التجانس السياسي، وهو امر ممكن وان كان صعبا في ظروف الواقع السياسي السوري الذي هو نتاج عقود من تغييب المجتمع عن السياسة، وابعاد السياسة عن المجتمع وتدمير الجماعات والنخب السياسية وتخريبها، ووضع البلاد والمواطنين تحت سيف انظمة الطوارئ.

مصادر
الوسط (البحرين)