عندما قرر الرئيس اميل لحود التوجه الى نيويورك لإلقاء كلمة لبنان امام القمة العالمية، لم يكن يفكر إطلاقا بجدول اعمالها. ويمكن الافتراض انه لم يطلع على الوثيقة الاصلية المعدة في سياق مناقشات استمرت شهوراً. كما يمكن الافتراض انه لم يطلع على التعديلات التي اقترحها المندوب الاميركي جون بولتون والتي تنسف الوثيقة وتحاول فرض اجندة خاصة على الهيئة الدولية اقرب ما تكون الى برنامج عمل <<المحافظين الجدد>>.
كلا، لم تكن هذه القضايا في ذهن الرئيس. كان يعتقد انه ذاهب، في الحد الادنى، لتأمين الحضور، وفي الحد الاقصى، لكسر العزلة. ولذا لم يكن غريبا ان ترسل واشنطن إليه وإلينا اشارات واضحة تقول ان الحضور غير مرغوب فيه.
قيل في واشنطن إن طوقا من الحصار سيضرب على الرئيس اللبناني بحيث انه سيجد نفسه في زاوية واحدة مع هوغو شافيز ومحمود احمدي نجاد وفيديل كاسترو. ولم ينتبه من اقدم على هذا التشبيه ان شافيز عاد الى السلطة باستفتاء شعبي لا غبار عليه، وأن احمدي نجاد فاز فوزاً كاسحاً في الانتخابات، وأن كاسترو، على قلة شغفه بالديموقراطية البرلمانية، يتمتع بقاعدة شعبية مؤكدة في كوبا.
ربما كان الرئيس لحود يتمنى لو انه كان في موقع واحد من هؤلاء الثلاثة. وهناك من يزعم انه يعتقد نفسه كذلك في حين ان اي مراقب محايد ونزيه للوضع اللبناني الداخلي يدرك ان رئيس الجمهورية لا يعاني فحسب من عزلة خانقة وإنما من عزلة خانقة و... متصاعدة.
يعني ذلك ان لحود، إذا قرر التوجه الى نيويورك، وإذا لم تحل التداعيات اللبنانية دون ذلك، فسيكون واحداً من رؤساء قلائل يعانون، في الوقت نفسه، من حصارين داخلي وخارجي. ان وضع كوريا الشمالية افضل حالا نظراً لوجود اهتمام إقليمي يحول دون الاستفراد الاميركي بهذا البلد.
لبنان، ممثلاً بلحود، (وسوريا) في موقع لا يحسد عليه. فعلى الصعيد العربي تتراوح المواقف بين التبرؤ والسلبية وذلك بغض النظر عن المجاملات المعروفة في بيئة العمل الدبلوماسي العربي. والواضح ان محور بيروت دمشق (إذا كان لا يزال قائما) فاقد لأي تأثير وان دائرة الحماية القريبة له التي كانت متشكلة من مصر والسعودية لم تعد قائمة.
الولايات المتحدة ذات موقف معروف. وفرنسا مثابرة على إشهار عداء نتفنن في تغذيته يوميا. وبريطانيا تخلت عن مهمات وساطة سابقة وأكملت استدارتها. وألمانيا تواكب، وعلى الارجح بتعاطف، مهمة مواطنها ديتليف ميليس. الصين تنظر الى المنطقة
من بعيد وهي اذ تبدي هذه الايام نشاطية خارجية ملحوظة فإن ذلك لا يشمل هذا الملف اطلاقا. تبقى روسيا، وهي تؤمن حضور الحد الادنى، مدركة ان ثمة خطا أحمر لا يمكنها تجاوزه.
لا حليف عربيا ولا حليف دوليا. ويتعزز هذا الحصار الاستثنائي مما يبدو إشكالا مع الأمم المتحدة، وقراراتها، ومبعوثيها. فهذا الاشكال يضع لبنان في حالة <<مروق>> لا في حالة نزاع مع مصالح واستراتيجيات اميركية او غربية.
لن نصل الى موعد انعقاد القمة الدولية إلا ويكون الرئيس لحود اصبح في ضائقة فعلية قد تترجم نفسها في نشوء صعوبات جدية تحول دون تشكيل وفد متجانس. ومن المفهوم، في مثل هذه الحالة، ان ما يراد له ان يكون كسرا للعزلة والحصار قد يتحول الى رمي للنفس في مصيدة تكون آثارها السلبية كبيرة.
ستكون الايام القادمة صعبة على الرئيس لحود. وهو، اذ يقيم جردة حساب لعام على التمديد، يفترض فيه ان يدرك ان الامور انقلبت بشكل كامل. فقرار التمديد كان، في العمق، قراراً لحسم الازدواجية في قمة السلطة لصالح الرئيس الاول وعلى حساب رفيق الحريري وما ومن يمثل. الا ان كل ما جرى بعد ذلك، ولو انه كان معدا له من قبل، يؤدي الى الحصيلة القائلة بأن العنوان العام ما زال هو هو: حسم الازدواجية في قمة السلطة. الفارق الوحيد هو انه حسم لغير صالح الرئيس الاول.
يمكن تصور سيناريو للفترة القادمة يقوم على افتراض ان لبنان يستمر من دون الرئيس لحود. قد يتضمن هذا السيناريو انعكاسات سلبية على عناوين معينة بينها ما يخص الموقع اللبناني في الصراعات الاقليمية. ولكن، في المقابل، من الصعب، لا بل من الصعب جدا، تصور سيناريو يقوم على افتراض التعايش في السلطة وأجهزتها ومؤسساتها. لقد باتت الازدواجية مستحيلة.

مصادر
السفير (لبنان)