لفت نظر المراقبين عن اسم جديد أعلنت عنه السلطات السورية لأول مرة هو قوات مكافحة الإرهاب، وجاء الكشف عن القوة الجديدة، خلال البيان الرسمي لوزارة الداخلية التي يقودها اللواء غازي كنعان المرشح للاستقالة في وقت قريب، حول الاشتباكات التي أوقعت خمسة قتلى بين مجموعة متشددة تطلق على نفسها اسم جند الشام وجرح اثنين من القوة الجديدة. وقال المراقبون إن الإعلان في هذا الوقت بالذات عن قوة مكافحة الإرهاب "يحمل في معناه رسالة من الحكم السوري للعالم وخاصة الغرب بقيادة الولايات المتحدة بأن دمشق هي الأخرى متأثرة بالإرهاب وأنها عازمة على مواجهته".

ولكن يبدو أن مثل هذه الرسالة لن تقنع واشنطن التي تحاول جاهدة تضييق الخناق على الحكم السوري ليس في شأن دعمها للحركات الإرهابية وحسب، وهي التي تنطلق من هناك صوب العراق للمشاركة في قتال القوات الأميركية، بل إن الهدف العاجل حاليا هو تضييق الخناق على حكم الرئيس بشار الأسد وفرض حصار عليه على خلفية تحقيقات لجنة ميليس الأممية التي تستعد للذهاب إلى دمشق للتحقيق مع مسؤولين كبار هناك.

وفيما، كانت (إيلاف) نشرت قبل يومين أن سلطات الهجرة الأميركية لن تمنح تأشيرتي دخول للرئيس السوري بشار الاسد ونظيره اللبناني إميل لحود للحؤول دون مشاركتهما في قمة الأمم المتحدة التي ستعقد في نيويورك في 14 الشهر الجاري، فإن الانظار تتجه نحو دمشق مع وصول المحقق الدولي، حيث سيبدأ التحقيق مع مسؤولين سوريين أمنيين من بينهم وزير الداخلية اللواء كنعان الذي كان رئيسا للاستخبارات السورية سابقا في لبنان، وخليفته اللواء رستم غزاله وعدد آخر من أولئك المسؤولين.

وإليه، فإن المصادمات الدموية التي كشفت عنها السلطات السورية اليوم، وقالت إنها حدثت ليل الجمعة ـ السبت في قرية جبرين (ثلاثة كيلومترات عن مدينة حماة) ونجم عنها مقتل خمسة من عناصر تنظيم "جند الشام" وجرح اثنان من عناصر قوات الأمن السورية مساء الجمعة في اشتباك في محافظة حماة (210 كلم شمال دمشق)، لم تكن هي الأولى من نوعها في مسلسل المصادمات في هذه المدينة التي شهدت أحداثا دامية في عامي 1980 و1982 كان من نتيجتها تصفية جماعة الإخوان المسلمين وطردها إلى الخارج.

وكانت قوات الأمن السورية اشتبكت في 23 أغسطس الماضي مع مجموعة مسلحة تابعة لتنظيم "جند الشام"، »، في منطقة مضايا الجبلية المتاخمة للحدود اللبنانية، وذلك في رابع عملية مواجهة بين رجال الأمن السوريين والمجموعات الإرهابية خلال الأشهر القليلة الماضية. وكانت السلطات السورية اعتقلت عدداً من العناصر المسلحة ينتمون إلى جنسيات سورية وعراقية وسعودية، بينما كانوا يخططون لتنفيذ أعمال إرهابية داخل سورية ولبنان. ولم يتأكد بعد ما تردد عن أن الاشتباك مع المجموعة أسفر عن مصرع أربعة من أفراد المجموعة.

وكان مصدر رسمي سوري أعلن مطلع الشهر الماضي أن عنصري أمن سوريين والمتطرف التونسي مجدي الزريبي لقوا حتفهم في اشتباك مع مجموعة وصفها المصدر السوري بأنها مجموعة متطرفة كانت تحاول اجتياز الحدود السورية إلى منطقة لبنان الشمالي.

وكانت السلطات السورية كشفت في يونيو (حزيران) الماضي عن مجموعة تكفيرية إرهابية تعرف بـ "جماعة أبو عمر"، وتطلق على نفسها تنظيم "جند الشام للجهاد والتوحيد" في منطقة دف الشوك بضواحي العاصمة دمشق، وقد أسفر ذلك الاشتباك في حينه عن مقتل أحد عناصر الأمن وجرح آخر وقتل اثنين من المسلحين، وإلقاء القبض على ثالث، واعترف أفراد المجموعة أنهم كانوا يخططون للقيام بأعمال إرهابية داخل سورية ولبنان والأردن والعراق ومصر ودول أخرى.

وتأتي هذه التطورات في التصادم بين متشددين وقوات السلطة السورية في اعقاب ما كان ذكر أنه حوار بين جماعة الإخوان المسلمين المحظورة ودمشق، ولكن إلى هذه اللحظة لم يعلن أي من الجانبين نتائج لذلك الحوار او المصالحة التي قيل إن "الهدف منها هو خلق تيار بين الحكم البعثي والحركة الإسلامية ضد جبهات معارضة أخرى تعمل في الخارج والداخل وتسعى للوصول إلى السلطة".

لكن يبدو أن الحوار يتعثر بين جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في سورية، على خلفية مطالبة المراقب العام للحركة صدر الدين البيانوني في وقت سابق خلال مؤتمر صحافي عقده في لندن بضرورة إجراء تحقيق قضائي مستقل لكشف "الحقائق" المتعلقة بأحداث الثمانينيات وخصوصا المجزرة التي حدثت في فبراير 1982 في مدينة حماة، ومن قبلها أحداث إبريل العام 1980 ".

وتلك المطالبة، كانت الأولى من نوعها، للبيانوني حين أطلق مبادرته التي حملت عنوان "المشروع السياسي لسورية المستقبل: رؤية جماعة الإخوان المسلمين"، وحمل البيانوني حزب البعث الحاكم مسؤولية "فرض سياسات التفرد والاستبداد والاقصاء والاستئصال"، وندد "بعمليات الابادة والمذابح الجماعية التي كانت ذروتها مجزرة مدينة حماه في فبراير 1982" حيث قتل آلاف الاشخاص".

وطالب البيانوني "بتشكيل لجنة قضائية وطنية مستقلة تفتح ملف تلك الاحداث وتصدر حكمها فيه حتى يتبين للجميع حقائق تلك المرحلة الاليمة وليتحمل كل طرف ما يترتب عليه من مسؤوليات وآثار قانونية واخلاقية"، وكان المراقب العام أكد من جنب آخر ان الجماعة "لا صلة لها باعمال العنف التي نفذها بضعة افراد استهدفت طلابا في مدرسة المدفعية في يونيو 1979 في حلب".

والبيانوني الذي لم يعد إلى دمشق بعد، أكد أن هذا المشروع "يمثل رؤية جماعة الاخوان المسلمين لسورية بلدا لكل ابنائه تسود فيه كلمة الحق وتصان فيه حرية المواطن وكرامته وتتحقق فيه الوحدة الوطنية بعيدا عن استبداد السلطة (...) ويأخذ فيه التيار الاسلامي الى جانب التيارات الوطنية الاخرى دوره في بناء الوطن والدفاع عنه والمشاركة في صنع قراره".

ختاما، يذكر ان جماعة الاخوان المسلمين محظورة في سورية وان القانون رقم 49 لعام 1980 ينص على الحكم بالاعدام لكل من ينتمي لهذا التنظيم.

مصادر
إيلاف (المملكة المتحدة)