تخفي اوساط سياسية واعلامية وديبلوماسية عدّة في تركيا استغرابها من الدور التركي في جمع وزير خارجيتي باكستان خورشيد محمود قصوري واسرائيل سيلفان شالوم، خاصة بعد أن رفضت تل أبيب مساعي وساطة تركية بينها وبين كل من الفلسطينيين وسوريا.

وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون اتهم رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان وحكومته بالانحياز الى سوريا بعد التصريحات التي أدلى بها أردوغان ووزير خارجيته عبد الله غول في مناسبات عدّة وقالا فيها إن سوريا والرئيس بشار الأسد صادق في موضوع السلام مع أسرائيل شريطة الأنسحاب الى حدود العام 1967، وهو ما اعتبره الاسرائيليون أنحيازا تركيا الى جانب دمشق، خاصة بعد زيارة أردوغان والرئيس التركي احمد نجدت سازار وقبلهما غول الى دمشق عندما كان رئيسا للوزراء.

وتعرضت أنقرة لضغوط مكثفة من قبل واشنطن ومنظمات اللوبي اليهودي بسبب هذه الزيارات التي جاءت في فترة من الفتور والتوتر الذي خيم على العلاقات التركية ـ الأميركية والتركية ـ الاسرائيلية بسبب رفض البرلمان التركي نشر قوات اميركية في تركيا وأتهام أردوغان لاسرائيل بأنها حكومة ودولة ارهاب بعد اغتيال مؤسس "حركة المقاومة الاسلامية" (حماس) الشيخ أحمد ياسين ومن بعده عبد العزيز الرنتيسي.

وقد نجحت الضغوط السياسية والاعلامية والاقتصادية الاميركية والاسرائيلية في أقناع حكومة أردوغان بضرورة العودة إلى التحالفات التقليدية مع تل أبيب وواشنطن اللتين نجحتا في كسب حكومة العدالة والتنمية من جديد، واعادة العلاقات بين أنقرة وتل أبيب ألى وضعها السابق بعد الزيارة المهمة التي قام بها اردوغان الى اسرائيل في أيار (مايو) الماضي وكان سبقها زيارة غول لها في كانون الثاني (يناير) الماضي، حيث تبادل الطرفان العديد من الزيارات التي ستستمر خلال هذا الشهر الذي سيشهد زيارة أربعة من الوزراء الاسرائيليين ألى أنقرة مقابل زيارتين من الجانب التركي.

وسيكون اللقاء بين شارون وأردوغان في نيويورك هو الأهم طالما أنه سيكون تحت رضى ومباركة اللوبي اليهودي الأميركي مباشرة. وتتوقع بعض الأوساط السياسية ان يعيد هذا اللقاء تركيا إلى تحالفها التقليدي مع اسرائيل التي ساعدها أردوغان في كسب الباكستان الى جانبها. وهو الموقف الذي قد يضع أنقرة إلى جانب تل أبيب في الحسابات الاقليمية بعد أن كانت ضدها بسبب سياساتها التقليدية الرافضة للسلام في المنطقة.

ولم يتردد أردوغان في مساعدة تل أبيب في مساعيها لاختراق العالم الاسلامي بالعلاقة مع باكستان وعبر منظمة المؤتمر الاسلامي الذي يترأسه التركي أكمل الدين أحسان أوغلو. وقد يفكر أردوغان تسخيره خدمة لحساباته الاقليمية السياسية منها والاقتصادية وهذه المرة بالتنسيق مع واشنطن التي تريد لتركيا أن تتحمل أدوارا مهمة في المنطقة في إطار ما يسمى بمشروع الشرق الأوسط الكبير. وهو ما يتطلب تسويق تجربة "حزب العدالة والتنمية الأسلامية" (المثيرة) الى دول المنطقة التي لأميركا علاقات تحالفية مع العديد من أنظمتها وحكوماتها التي قد ترى في تحركات أردوغان مايرضيها ويغطي عليها حواراتها السرية والعلنية مع أسرائيل.

ويراهن البعض من الأوساط على سياسات أردوغان الحالية التي تتناقض تماما مع أقواله ومواقفه قبل سنوات حيث كان يرى في اسرائيل والصهيونية الخطر الأكبر الذي يهدد الحركة الاسلامية في تركيا والعالم الاسلامي عموما.

وهو الرأي الذي لم يعد واضحا فيما أذا كان أردوغان يؤمن به أم لا خاصة بعد سياساته الأخيرة مع إسرائيل التي يعرف الجميع أنها لا ولن تكتفي بكل التنازلات التي قدمها أردوغان لها على الصعيدين السياسي والأيديولوجي .

وسيبقى التقارب التركي مع سوريا هو الامتحان الأخير والأهم بالنسبة لأردوغان وحكومته وتركيا، التي ان تراجعت عن مواقفها الحالية في الحوار مع دمشق ورئيسها بشار الأسد، فإن الرابح الوحيد سيكون أسرائيل التي لم ولا يخفي الكثير من الأتراك بمن فيهم وزير الخارجية غول قلقهم من دورها في العراق وشماله خاصة ومن أطماعها التوراتية في جنوب شرق تركيا حيث الفرات ودجلة. في الوقت الذي يستمر فيه الرفض الأميركي لكل المطالب التركية الخاصة بالتنسيق والتعاون المشترك ضد خمسة آلاف من عناصر حزب العمال الكردستاني الموجودين شمال العراق، حيث القلق التركي مازال مستمرا من سياسات الأكراد هناك، وفي كركوك التي يعيش فيها التركمان.

والسؤال الأهم، هو: لماذا وفي اي مقابل قدم ويقدم أردوغان كل هذه التنازلات لاسرائيل واللوبي اليهودي؟

اوساط سياسية في انقرة تقول إن البقاء في السلطة من دون أي خوف من مشاكل أقتصادية أو تدخلات عسكرية داخلية هو السبب الرئيسي في عودة أردوغان الى حواره مع واشنطن وتل أبيب اللتان تقفان إلى جانب أنقرة في موضوع الادعاءات الأميركية الخاصة بالمجازر الارمنية. وكما هما تدعمان حكومة أردوغان في المحافل المالية التي بدونها لن يتسنى لأنقرة الاستمرار في برنامجها الأقتصادي الذي يساعدها على تحقيق الأستقرار الأقتصادي وبالتالي السياسي. وهو ما يضمن لأردوغان البقاء في السلطة حتى نهاية العام 2007 وربما خمس سنوات أخرى بعد ذلك التاريخ.

مصادر
المستقبل (لبنان)