الآن وقد حظي ارييل شارون بالتمجيد لإظهاره القدرة القيادية في تنفيذ الانفصال؛ وفي حين لا يزال معارضوه يرثون لانفسهم لماذا لم يوجد رجل مثله يرأسهم لكي يُحبطه - بدأت تظهر علامات مقلقة من عبادة الشخصية. وكأن رئيس الحكومة أصبح "نسيج وحده"، كما سمت براخا حفاس دافيد بن غوريون ذات مرة.

في كل ما ورد على هيئة التحريري، تُسمع ثلاث حجج لصالحه: هو وحده يستطيع ولا يوجد بديل منه؛ من المناسب أن يتابع إمساك لجام السلطة حتى موعد الانتخابات المخطط لها في تشرين الثاني 2006 لا أن يُقرَّب موعدها؛ وفساد ادارته لم يعد يثير اهتمام الجمهور.

لم يعد الحديث عن تصور "الأُترجة" (الخشخاش)، التي أرادت الى تأجيل شفاء الدولة من أمراض فسادها الى ما بعد تنفيذ الانفصال، بل الى نزول ساحق عن تنظيف الاسطبلات.

إن زعم أن اسرائيل كأنما هي أرملة بغير شارون زعم صبياني، وخطر وكاذب. قد مللنا ذكر المقابر المليئة بأناس لم يكن بديل منهم. رئيس الحكومة في السابعة والسبعين، وماذا ستصنع دولة كاملة اذا ما حُكم عليه بترك منصبه في سنه المتقدمة؟ اسرائيل، التي شهدت عمالقة مثل بن غوريون ومناحيم بيغن يتركون السلطة ولا يحدث شيء تستطيع ايضا إكمال طريقها بغير شارون، ذي الحقوق الكثيرة، الى جانب مساوئ غير قليلة.

في صحيفة "هآرتس" دعا يوئيل ماركوس شارون قائلا "استمر، يا اريك، استمر". الى أين سيستمر في عام 2006؟ لا الى مكان. اذا لم يُقدم موعد الانتخابات ستكون السنة القريبة كلها فصلا من الأكاذيب. سيحتضن شارون بسخرية ساخرة المُجلين من الانفصال، وسيحتضنهم بنيامين نتنياهو احتضانا أقوى الى أن يفوز بقيادة "الليكود"، وعندها سيشير ايضا الى ناخبي أحزاب المركز، لانه لن يعود الى رئاسة الحكومة من غيرهم.

لن يحدث شيء واحد في كلمة "استمر"، الصادرة عن ماركوس: لن يُحرك شارون أي عجل. سيجمد كل شيء حتى انتخابات تشرين الثاني 2006. لا يوجد في "استمر" هذه مضمون مع بشرى حقيقية.

استمرار سلطته باطل، لان الانفصال الحكيم تم باستعمال استراق الرأي. لماذا كان يجب على الدكتور عوزي لنداو أن يمتنع عن تسميته في الكنيست "مخادعا"؟ لان هذا ليس اسلوبا مناسبا، لكن لا لأن مضمون نقده خاطئ.

اذا كان شارون بعد بضعة أشهر من انتصاره في الانتخابات على عمرام متسناع، قد اكتشف انه يؤيد موقف خصمه في الموضوع الذي كان لُب المنافسة - فقد ظهر من ذاته استنتاج هو اختيار بين امكانين مشكلين: رئيس الحكومة ساخر الى درجة تثير الخوف والرعدة، أو أن رأيه يرتبط بحل صحيح فقط بعد أن ضلّ في طرق خاطئة، وتسبب لاسرائيل بأضرار كبيرة. هاتان الفرضيتان ممكنتان ايضا. لا يوجد أي تسويغ للعودة لوضع الحسم الوطني في يد ضالٍ كثير الزلل يصلح نهجه متأخرا.

من اجل هذا يمضون في الديمقراطيات الى انتخابات مبكرة، ويمتنعون من الحيل القبيحة التي تهدف الى تأجيل الحسم في "الليكود" من اجل البقاء أشهرا اخرى عند مِعلَف السلطة.

الأخطر من كل شيء هو اغتفار فساده. حتى الانفصال تمسك مؤيدوه بنظرية "الأُترجة"، ووعدوا ضميرهم علناً بأنهم سيحاسبونه بعد الاخلاء. الآن يظهر بين ناخبين - كامنين من معتدلي "الليكود"، والعمل وشينوي علامات مقلقة من التسليم للفساد، وحطّه عن جدول الاعمال العام.

مثقفون مسؤولون، وهم نُزهاء في أعين ذاتهم، ويقبلون الفساد كتوراة لموسى في سيناء، وكقضاء وقدرٍ إلهي، ولتصرخ حركة الحفاظ على نوعية السلطة كصرخة في واد.

انهم يعرفون الحقيقة، وهي أنه في كل مسألة جدية تقريبا - في الوظائف والاعمال - يقتطع مقربو شارون وصلا وشريطا. المناقصة صناعية، والمنافسة تذر الرماد في العيون، فمن يُرد الدخول في عالم الاعمال أو البقاء فيه يعلم أنه لا يجدر به أن ينافس في مجال فيه لهؤلاء المقربين مصلحة مالية وادارية.

في احتفال طويل يقتسمون بينهم كل جلد الدب الموجود في الجهاز الاقتصادي الوطني، ولا يكفون ولا يقفون عند الضوء الاحمر. الدول تنحل بسبب هذا الوباء أكثر من انحلالها بسبب عدو خارجي.

صحيح، الجمهور الاسرائيلي يحتفظ بحقه التام في اختيار نظام حكم مليء بالفساد. ليمضِ شارون وحاشيته الى معركة انتخابية مبكرة، سواء في اطار "الليكود" أو خارجه، واذا ما وُجدت أكثرية لمن ترتبط صورته العامة بوباء العلاقات المالية الفاسدة - فسنضطر الى قبول حسم الناخب بإحناء الهامة وبألم القلب. هذا ايضا سبب لضرورة انتخابات مبكرة.

مصادر
معاريف (الدولة العبرية)