ربما آن الاوان للتفكير في طريقة خروج سوريا من المأزق، وخروج لبنان من الطريق المسدود، قبل ان يستفحل القدر، ويصل الى محاكمة دولية لا يحتملها البلدان ولا يقوى عليها النظامان معاً. لم يعد بالامكان الاعتماد على الفرضية القائلة ان الرئيس رفيق الحريري راح ضحية صراعات او تصفية حسابات داخلية لبنانية، او انه انتحر.

التحقيق الدولي يتقدم، وقد حسم وجهته نحو الفريق الامني والسياسي اللبناني الذي كان يتلقى أوامره التفصيلية اليومية مباشرة من دمشق، كما حسم خط سيره المقبل نحو المسؤولين الامنيين السوريين الذين كانوا يديرون الوضع اللبناني بشكل تفصيلي ومباشر أيضا. هي من وجهة نظر سورية استكمال لحلقات المؤامرة التي بدأت في أعقاب الاعتراض السوري على احتلال العراق واستكملت بإخراج سوريا من لبنان، ولم تتوقف حتى اللحظة.

لكن للمجتمع الدولي، ومعه جانب كبير من المجتمع اللبناني، رأياً آخر لا يمكن إغفاله كما لا يمكن الوقوف في وجهه حتى النهاية، خصوصا انه يكتسب كل يوم زخما جديدا ومصداقية اضافية، مما يهدد سوريا وشعبها ونظامها بأسوأ العواقب، ويضع لبنان امام مخاطر جمة أقلها الفوضى، وأقصاها الحرب الاهلية التي ما زالت قواها وأدواتها وأفكارها حية في ذاكرة اللبنانيين.. برغم تنكرهم اليومي لها.

بات التحقيق الدولي لعبة خطرة جداً. تورّط لبنانيون كثيرون في التعبير عن رغبتهم في أن يؤدي الى تغيير نظام الرئيس بشار الأسد. وتورط سوريون كثيرون في التلويح بعزمهم على مواجهة المجتمع الدولي. وهو خطأ لبناني سوري مزدوج، لأن واشنطن وباريس لم تقررا العمل على تغيير النظام في دمشق بل أوحتا في الآونة الاخيرة انهما لا تمانعان في منحه فرصة اخيرة من اجل تغيير سلوكه.. والتوصل الى اتفاق معه على إعادة إنتاج نفسه بصورة مختلفة.

لكن لبنان لم يلتقط الاشارة وما زال ذاهبا الى الحرب مع النظام السوري، كما ان ذلك النظام لم ينتهز الفرصة وما زال سائرا نحو صدام مع الاسرة الدولية، برغم ان الخيارات المتاحة أمامه تتضاءل يوما بعد يوم، ولم يبق له سوى ان يستعيد ويستفيد من التجربة الليبية التي خاضها العقيد معمر القذافي بنجاح ونجا فيها حكمه وشعبه ونظامه من الهلاك، لكي يتجنب التجربة البائسة التي شهدت نهاية الرئيس العراقي صدام حسين، ونهاية العراق كما كان العالم يعرفه قبل آذار العام 2003.

الوقت ضيق. لكن ما زال بالامكان ان تقدم دمشق على استباق القرار الدولي بمحاكمة النظام ومعاقبة الشعب وتقديم كبش فداء او اكثر عنهما، بدلا من التشبث بمجموعة من الضباط الامنيين الذين عاثوا فسادا في البلدين.. مهما كانت درجة تورطهم او مشاركتهم في جريمة اغتيال الحريري. وإذا تمت هذه الخطوة من خلال القضاء اللبناني فإنها يمكن ان تشكل مخرجا لائقا من الازمة.. ومدخلا مهما لإعادة تصحيح العلاقات اللبنانية السورية.

مصادر
السفير (لبنان)