فهم الواقع السياسي السوري في اغلب المقالات المطروقة لم تستوفي الموضوعية و لا تحمل في طياتها التقييم الصحيح والحيادي للواقع واغلب من تناولها كان يسحب الغطاء دائما إلى صفه بما يتوافق مع خلفياته الإيديولوجية السابقة واللاحقة ويغلب على مجملها الانحياز الكامل نحو اللاموضوعية وحتى التجني على هذا الطيف أو غيره وإذا كان النقد أو التقييم ضروريا مع احترام رأي الكتاب و المثقفين في وجهات نظرهم فان التركيز المستمر مع تكرار بعض القفشات الأمنية التي تتوخى خلط الأوراق وبذر التوجس والخشية والشك والشقاق بين رموز وأطياف المعارضة في أوقات غير مناسبة لإضعاف و تهميش المواقف و التطرف في توجيه الانتقادات وأحيانا يتهيأ لنا بأنها مدروسة من ناحية التأثير النفسي واختيار اللحظات المؤثرة لإضعاف هذا الطيف أو هذا الرمز مما يدعينا إلى التوقف عندها لحظة حتى لا تختلط الألوان وتذهب الأفعال بعقول المتابعين والمهتمين ….

إن المعارضة عند بعض من يحاولون دراستها كظاهرة يحملونها أفعالا وتصورات كأنها مهرجانات استعراضية بائسة تطمس من خلالها مواقف المعارضة الحقيقية و تمحى كل تضحياتها وكل ما قدمته خلال عقود أو تحجيمها بما يتلاءم مع النظام وإذ كان مستغربا أن تأتي مثل هذه الأفكار من مثقفين عاشوا ويعايشون المرحلة ويدعون التصاقهم بالمعارضة فأنها تصب بما يتوافق على الغالب مع المتسلقين وبعض الاستعراضيين الذين يفهمون النضال بأنه حالة مخترة وأضواء وتصريحات و رمي التهم والتخوين و يشم منها رائحة تدخل أجهزة معروفة التوجه والهدف....... ولكن لماذا وكيف ولأي غاية فهي واضحة لأبسط العقول ولكنها أحيانا تخلق تشويشا يعطي القائمين عليها فسحة من الزمن للتعامل مع هذه الحالة أو ذلك الناشط وباللغة الدارجة عند هؤلاء ليتم تنفيسهم.... أي... إن عمل هؤلاء لا يتعدى لعب دور قذر وإفساح المجال ومن خلالهم ومن بعض المحسوبين على المعارضة نفسها لتدعيم عمل الأجهزة وإعطائها أوسع التأثير لإحباط أي ظاهرة قد تتجاوز حدودها الحمر الضيقة التي يعتقدونها خطرا عليهم ….

يقول احدهم وكما يطرح نفسه محلل سياسي وناشط في المجتمع المدني بان المعارضة:

هي التجمع الوطني الديمقراطي التاريخي ولكن لم يستطع أن يذكر أسماء أحزابه الخمسة وإنما ذكر ثلاثة منها.... هل هي مقصودة...؟المرجح الميل نحو هذه الفكرة ربما لأنه تاريخيا يكن الكراهية لها.....هذا شأنه..... وكذلك لوحظ أيضا عنده بان منظمات حقوق الإنسان التي تطرق لها نفس الكاتب لم يذكر منها إلا المنظمة التي ينتمي إليها كأنما البقية وحسب رأيه اقل شأنا وهو على دراية بان العكس هو الصحيح ويسهب في إشكالية فلسفة الحالة الواهنة التي هي فيها المعارضة الآن ….

بينما أخر يعتبر المعارضة فردا بحد ذاته والأفضل هو نفسه وخاصة إن رسائله تجاوزت الحدود دون أن يرد عليه احد:

خطاب مفتوح إلى الرئيس بشار الأسد*

السيد الرئيس

اعتدت إن أطرح أفكاري بصورة علنية، كما اعتدت مخاطبة الناس الذين اعتقد أن بيدهم المفتاح لحل المشكلات التي تعترض وطننا أو تعترض العالم.

لقد سبق ليّ أن خاطبتكم برسائل ثلاثة لم يصلني عليها أي رد عملي أو كتابي، كما سبق لي أن أرسلت عدة رسائل باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية واحدة منها إلى إدوارد ووكر والثانية إلى كولن باول ورسالتين إلى رئيس الولايات
المتحدة جورج بوش، وضعت تصوري لما أراه من سبل لحل المشكلات الوطنية والعالمية.

وعقب قراءتي للحوار الذي أجرته ( سيريا نيوز) معكم وجدتني مدفوعاً للكتابة إليكم للمرة الرابعة عساها أن تصل إلى قلبكم قبل عقلكم.

في الحوار أشار الرئيس إلى أنه عادة ما يشاور المحيطين به من المسئولين،وانه لا يتسرع باتخاذ أي قرار، وأن اهتمامه الآن منصب على تأمين الخبز للفقير وليس تأمين الورق للسياسة.

تساءلت عقب قراءتي للحوار أليس من المفيد للرئيس أن يتداول الرأي مع أفراد من المعارضة؟
صحيح أن الرئيس عادة في أي بلد يتشاور مع المحيطين به، ولكن أود أن أتساءل أليس طيف المعارضة من هذا الوطن؟ أو ليس للمعارضة وجهات نظر قد تختلف مع وجهات نظر الحاشية المحيطة ؟
أوليس من حق المعارضة إيصال صوتها وأن يكون لها حضور في قصر الرئاسة لعرض مشكلاتها وتقديم وجهات نظرها؟.

لقد تكلم الرئيس في خطاب القسم عن مسألة الرأي الأخر والاعتراف بالأخر وما إلى ذلك...أنني أدعو سيادة الرئيس لاتخاذ خطوة في اتجاه هذا الآخر ودعوته للحوار مباشرة وجهاً لوجه.

إنني أرى أن في اتخاذ الرئيس بشار الأسد لخطوة كهذه ما يعزز موقعه ويبعث برسالة إلى المعارضة بأن السلطة تعترف بها أولاً وأنها تسألها المشاركة في بناء الوطن ثانياً، وهذا ليس فقط من حقها وإنما هو واجبها أيضاً كما هوواجب النظام.

إن تعاون أبناء الوطن سلطة ومعارضة ما يعيد الأمل في غد يتجاوز المصاعب الكبيرة التي نعانيها وهي ليست قليلة والله من وراء القصد

دمشق في 7/8/2005

بقلم المحامي هيثم المالح عضو الجمعية

لاحظ هذه الفقرة:

تساءلت عقب قراءتي للحوار أليس من المفيد للرئيس أن يتداول الرأي مع أفراد من المعارضة؟ثم اترك للقارئ تحليل هذه الصيغة وليخرج بنفسه إلى أي مدى يفكر باستراتيجية هؤلاء الأشخاص
هذا بينما يتطلع الجميع إلى معارضة فعالة على أن لا تبقى محصورة في الحيز التاريخي التي وضعت فيه مع شعور مزمن بالدينونة.... يقابلها تعامل لا مبالي وازدرائي لكل المعارضة من قبل النظام كما عبر عنها احد رموزه بأنه يكفيهم عدة شاحنات للملمتها.... وبالمقابل تفلسف عمليات الانبطاح والتبريرية للمواقف المتخاذلة عند هؤلاء و تنتشر الإشاعات والأقاويل من خلالهم لمصادرة المعارضة بأسماء وتسميات ومواقف واتهام ونقد و تشويه و تضيع القوى بحثا عن الحقيقة والمصداقية وتنقسم الآراء حولهم من مصدق أو مستهجن...... ولكن حتى تسقط ورقة التوت عنهم يتطلب زمنا يذهب عبثا وأعصابا تهدر حتى يصبح المهاجم المدعوم امنيا والمعارض المرموق هو نفسه متهما و تصب عليه أطنان من نظرات القرف الموجهة نحوه.... لكنها أسقطت معها مدرسة كاملة كانت تقتات على الموائد المعروفة وسقطت معها كل مفاهيم النخبوية المطلقة العارفة الحكيمة العالمة الصابرة المعارضة و سقط أصحابها الناهشين بهذا الرمز أو ذلك الفصيل ونخرت أنيابهم التي كانت تبرز وتزاود بالغيرة على المعارضة وتوجسها من اختراقها..... ولم تمضي فترة طويلة حتى بانت خلفياتهم ومواقعهم وحماتهم من ورائهم وهذا ما وضح الصور الباهتة التي تلبسوها عند ظهور معالم قفزات نوعية وقدرات إضافية لتحويل المعارضة من حالة الركون والسلبية إلى واقع الفعل والحركة وإذا كان سقوط الكاتب المعارض بالاسم المدوي و لحق من وراءه بعض المتشقلبين والمهزوزين من دعاة النسل النبوي ثم الليبرالي والقافزين على هذه الموجة أو تلك.....ارتد الكذب عليهم وكشفهم على حقيقتهم تأكد أخيرا مغزى وهدف كل الاتهامات التي رماها هذا المهزوز المدعي لليبرالية أو غيره... كشفهم.. من كان مقربا منهم ؟

بعد كل هذا لابد من أن نتأكد بان كل هذه الفقاعات التي تمر ومرت عبر التاريخ الحديث للمعارضة قد أوهنتها وأضعفتها ولابد من أن تؤخذ تحت المجهر لتطهير الجرح المتعفن الذي أصابها....

الواقع السوري بكل حيثياته يدل على أن المرض المتفشي بكل أشكاله البشعة والغبية قد أصاب بعضها المعارضة.... فهذه حالة طبيعية.... وإذا كان النظام يحاول معالجته ببعض الشعارات والتطمينات والوعود التي لم تعد مجدية أصبحت بحد ذاتها مشكلة مؤرقة للنظام فهو عوضا عن انه قد فقد ازلامه المبثوثة والمحسوبة على المعارضة التي تعرت فهو كذلك ضيع على نفسه فرص كثيرة كانت ذهبية لم يعد يتحكم بقوانين اللعبة بل على العكس أصبح هو نفسه أداة متحركة من قبل لاعبين أقوى وتحول إلى مواقع الدفاع بعدما كان في اغلبها هو المهاجم كما أن الوقت يلعب ضده ولم يعد الزمن تلك الأداة التي أنقذته من بعض الطرق المسدودة أمامه...... بينما الهجوم المعاكس الذي أخذت تتضح معالمه سيكون مغايرا للطريقة العراقية و بطريقة أدهى وأكثر دقة وبأقل خسائر ممكنة لمخططيه وإذا كانت المعارضة حتى الآن محتارة بالعلاقة بين القمع والتدخل الخارجي فان البرنامج المهيأ لسوريا على ما يبدو لا يعتمد على المعارضة الداخلية وان الحصار العام قد بدأ ويزداد خناقة على النظام يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة وهذا بالاتفاق الأوروبي الأمريكي الذي يوحي بأن سيناريو التغير قادم و بعيد كل البعد عن التجربة العراقية و قد يكون سلميا وهذه الحالة على الأرجح قد حسمت بشكل نهائي في الدوائر الغربية مما يوحي بأن العد العكسي قد بدأ.... وإذا كان النظام مازال ينتظر الفرص للخروج من هذا الواقع الخطير والجدي لم يعطي أي إشارة تدل على انفتاحه على مواطنيه ولم تبدأ محاربة الفساد المتفشي بجدية بل على العكس تماما يناور بخرق وإضعاف المجتمع المدني ويناور بخلق مظاهر للجبهة الوطنية المقزمة( برموزها الستالينية المندثرة)التي دفعت ووافقت وحثت النظام للتورط والوقوع في هذا المأزق وان مثالا عليها ما قامت به إحدى رموز هذه الجبهة بقمعية طروحاتها عندما صورت الاعتقالات الأخيرة التي أصابت المجتمع المدني بأنها صحيحة لا بل ضرورية للتعامل مع هؤلاء المارقين..... مع كل ما تحفظه من \ كليشات التخوين والتآمر وغيرها.... وهم الخبراء بها\...... بدون أن تستند حتى على المنطق الوطني كأنما الوطن هو امتيازا لها ولعائلتها تتوارثها إلى الأبد لقد كان لموقف هذه السيدة في ما يسمى الجبهة الوطنية دورا كبيرا باستمرار الاعتقال الأخير لبعض نشطاء المجتمع المدني هذا إذا ما صدقنا مايتناقله الشارع السياسي السوري فقد تم من خلالها ادلجة هذه الحالة التي خرقت فيها حقوق المواطنة والإنسان بما يتناسب مع أنانيتها الرخيصة وخاصة إن هذا الطرح كان في اجتماع رسمي للجبهة نفسها مع أصحاب القرار..... أي كانت ملكية أكثر من الملك نفسه.....؟

وفي نفس الوقت فهناك من يحاول تصوير المعارضة الخارجية بأنها كلها مشبوهة وان هناك أيدي خفية تدفعها... كأنما
المعارضة الخارجية من نسيج أخر غير النسيج الداخلي....فهم نفسهم من بقايا الأحزاب التي قمعت واضطر قسم منهم للهرب من البطش وقد يكون زمن الغربة قد أبعدها إلى حد ما عن فهم أكثر موضوعية للواقع السوري ولكنها في مجملها تعبر عن تطلعات الداخل من اجل إلغاء حالات القمع وتغييب حقوق المواطنة وإلغاء قوانين الطوارئ ورفع مستوى حقوق الإنسان ومحاربة الفساد واللاقانون وكلها تدعو إلى مؤتمر وطني عام تحدد فيه أوليات المرحلة..وكما توجد شوائب ومندسين في الداخل يوجد لدى معارضة الخارج شوائب واذاكانت المرحلة الدقيقة حرجة بكل إسقاطاتها ومشاكلها فهي لم تعطي حتى الآن أي مظاهر غير وطنية كانت صادرة من معارضة الداخل أو الخارج... وإذا كان النظام يعتمد بالمطلق على مواقفه بآراء بعض الكذبة والمدعين من اجل تحجيم المعارضة و فرقطتها فسيكون هو نفسه أول المتضرريين منها هذه النقطة قد وضحتها تقريبا كل أطياف المعارضة..؟

إن قوة الوطن ومنعته لن يكون عن طريق المندسين والكذبة والمزايدين من أين كان مصدرهم أو مراكزهم وان الوطن لم يكن مسئولا بشخصه و ذاته وليس امتيازا لايمكن الاستغناء عنه وان الوطن أعظم واهم من كل هذه الحثالاث والمنافع المادية والمعنوية الضيقة...؟

مصادر
إيلاف (المملكة المتحدة)