اللقاء العلني بين وزيري خارجية إسرائيل وباكستان، ما هو إلا الفصل الأول في مسلسل تلفزيوني سياسي جديد ـ قديم. النجم الرئيسي في الفصول القادمة سيكون أريئيل شارون، وإلى جانبه ملك الأردن، رئيس الولايات المتحدة، زعماء من شمال افريقيا ومن دول الخليج. ثمة من يقول إنه من المحتمل أيضاً قيام معمر القذافي لاحقاً بالتلويح بالسلاح. اسم هذا المسلسل: "يعطون يأخذون ـ لا يعطون لا يأخذون".

العالم هذه المرة، على رأسه الولايات المتحدة، يؤدون دور الطرف المانح، وإسرائيل هي التي تتلقى؛ وهذا الأمر حصل بفضل منح اسرائيل قطاع غزة إلى الفلسطينيين والتزامها بأن يكون هذا الأمر مجرد بداية. فبنيامين نتنياهو ليس هو من ابتكر نظرية العلاقات الدولية بين الأقوياء والضعفاء.
ديفيد بن غوريون، الذي قال إنه "ليس مهماً ما الذي يقوله الأغيار، المهم ما يفعله اليهود"، قال أيضا الكلمات الحاسمة التالية: "ما من أمة تعيش منعزلة، حتى لو كانت أمة كبيرة كانكلترا، فما بالك لو تعلق الأمر بامة صغيرة كأمتنا. حتى عندما يصبح لنا دولة ذات سيادة مستقلة في أرجاء أرض إسرائيل التاريخية فسيكون لنا صلة متواصلة مع العالم المحيط بنا، مع بلاد الشرق الأدنى، مع الامبراطورية البريطانية، مع أوروبا ومع أميركا" (من خطاب ألقي أمام رجال أمن في ايلول 1939)، روح هذه الكلمات تؤثر في كل سياسي يجلس على كرسي رئاسة الحكومة، بهذا القدر أو ذاك.

ان الاعتراف بضرورة الصلة مع الأسرة الدولية هو الذي اخرج "تصحيحي" مثل مناحيم بيغن من كل سيناء وأدخل اسحاق شامير إلى مؤتمر مدريد الذي شكل مدخلا لاتفاق اوسلو. كما ان ياسر عرفات لم يحصل على اتفاق الخليل من دون اي صلة بما قدمه وبما لم يقدمه لاسرائيل. ورئيس الحكومة نتنياهو، كما اسلافه، اجرى حساب الأخذ والعطاء الخاص به مقابل بيل كلينتون، وتصرف على هذا النحو أيضاً في قمة واي، حيث أعطى هناك عمليا للاميركيين، وليس للفلسطينيين، 13% من الضفة الغربية. وعشية سفره إلى مؤتمر واي حاول نتنياهو مصالحة أعضاء كنيست قلقين من اليمين وممثلين من مجلس مستوطنات الضفة والقطاع بالكلمات التالية: "إذا لم يكن هناك خيار، فيجب التنازل". وهو حذر ضيوفه من أنهم إذا عملوا على إقالته فسيحصلون على ايهود باراك (هآرتس ـ 23 ـ 10 ـ 1998) مثل جميع الزعماء الاسرائيليين قبله وبعده، لم يتنازل نتنياهو عن اي ذخر لأنه سار في الطريق التي رسمها بن غوريون في ذاك الخطاب، بقوله: "اليهود هدف بحد ذاتهم، مثل كل أمة أخرى، وهم ينظرون الى كل شعب آخر باحترام وتفهم، وانطلاقاً من الاعتراف بالمساواة والتقدير الذاتي". فنتنياهو تنازل بسبب الخشية من أنه في حال لم يعط الفلسطينيين فلن يحصل على دعم الأميركيين. فنزاع الضمانات الذي أدى الى انتهاء 15 عاما من حكم الليكود، علمه ان الجمهور في اسرائيل يدير ظهره للسياسيين الذين تمقتهم القوة العظمى. من جهته حرص شارون على عدم مشاركة الفلسطينيين ابداً في لعبته على الحلبة الدولية، وهم حصلوا على قطاع غزة كي لا يفسدون رؤية بوش وحكم شارون.

يمكن لباكستان أن تكون السنونو التي تبشر بقدوم ربيع العلاقات مع العالم الاسلامي والعربي بشكل عام، ومع الشعب الفلسطيني بشكل خاص. ويمكن لشارون الحصول على مقابل دولي مناسب لقاء خطة فك الارتباط، مثل تأييد الكفاح ضد تسلح ايران النووي وتجريد حماس وسائر المنظمات الفلسطينية من السلاح، لكن، اذا تبين ان خطة فك الارتباط كانت مناورة للتخلص من عبء غزة وتأجيل إقامة الدولة الفلسطينية في معظم اراضي الضفة وشرق القدس، فعندها ستكون ايام هذا الربيع قصيرة جدا؛ فالعالم يعطي ـ العالم يأخذ.
اذا لم يتعلم اليهود كيف يتعاملون مع شعب جار باحترام وتفهم، كما قال بن غوريون، فلن يعطيهم الفلسطينيون شيئاً. وبعد سنوات غير كثيرة، سيصبحون أغلبية في الدولة وسيأخذونها هدية.

مصادر
هآرتس (الدولة العبرية)