لا يبدو أن الدبلوماسية الأميركية مقتنعة بجدوى مشاركة الرئيس اميل لحود في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي وان كانت تحبذ عدم سفر الرئيس الآن الى الولايات المتحدة الأميركية، فلن تقف عائقاً في وجه قرار الرئيس لحود ورغبته، برغم أنها لا ترى أي فائدة للبنان من هذه الزيارة. في موازاة هذه الاشارة الضمنية للموقف الأميركي من الرئيس لحود، تنشط الدبلوماسية الأميركية في بيروت على نحو حثيث في متابعة المواقف والتطورات السياسية، باهتمام بالغ، من خلال فريق عمل يجتهد لتقدير الموقف بحسب المجريات اليومية التي قد تبتعد عن المواقف المسبقة وتضيف الى الخطط الاستراتيجية الثابتة.

في خضم هذه المتابعات يأتي عمل لجنة التحقيق الدولية ومتابعة المواقف من عملها، وما يمكن أن يتوصل إليه المحقق الألماني ديتليف ميليس ثمة اقتناع بأن الوصول الى حقيقة من اغتال الرئيس رفيق الحريري بات وشيكاً، هذا ما تؤكده مصادر دبلوماسية غربية داعية الى انتظار ما سيخلص اليه التحقيق الدولي من نتائج.

في المقابل، موافقة القيادة السورية على استقبال المحقق الألماني ديتليف ميليس في 10 الجاري لا تعني ان دمشق اقتنعت أخيراً أن لجنة التحقيق الدولية، واستتباعاً الادارة الأميركية والحكومة الفرنسية توقفت عن ممارسة المزيد من الضغوط على سورية، وهذه المرة ومن باب جريمة اغتيال الحريري تحديداً، فدمشق تزداد اقتناعاً بأن الهجمة الدولية مستمرة ولن تتوقف، فمهما أبدت القيادة السورية رغبة في التعاون أو تشددت في مواقفها، فالأمر سيان لدى الادارة الأميركية، المزيد ثم المزيد من المطالب التي لن تتوقف عند حدود مجيء ميليس لاجراء لقاءات يستمع خلالها الى إفادات مسؤولين سوريين عملوا في لبنان أو كانوا على علاقة فاعلة بما يجري فيه خلال مرحلة الوجود السوري العسكري. هذه الانطباعات التي تنقلها شخصية سياسية التقت عدداً من المسؤولين السوريين في الأيام الأخيرة، تأتي في سياق موجة من الشائعات والمعلومات التي تحيط بعمل لجنة التحقيق الدولية وما يتسرب من اتهامات وحديث عن اكتمال سيناريو جريمة اغتيال الرئيس الحريري لدى ميليس وفريقه والذي يشير الى مسؤولية سياسية مباشرة سورية ولبنانية لجهة اتخاذ القرار في تنفيذ جريمة اغتيال الحريري، هذا ما يتسرب أو ما يمكن ادراجه في اطار حملة الشائعات العفوية أو المنظمة، خصوصاً تلك التي تؤكد تورطاً أمنياً وسياسياً سورياً لبنانياً رغم أن ميليس كان حرص خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده بعد التحقيق مع القادة الأمنيين في الأول من الشهر الجاري، على القول أن الرئيس اميل لحود ليس في موقع المشتبه فيه وحتى سورية أيضاً ليست في هذا الموقع لكن ما قاله ميليس لا يعني حكماً البراءة، فقد ينقلب الى اتهام مباشر عند إنجاز التقرير النهائي الذي ترفعه لجنة التحقيق الى مجلس الأمن، بعد استكمال التحقيقات وخصوصاً المرتقب منها في دمشق.

ما تتحسب له دمشق من تسييس التقرير يتحسب له الرئيس اميل لحود أيضاً، وسواهما من بعض الأطراف السياسية ذات السمة العسكرية والأمنية اللبنانية وغير اللبنانية. ويعتقدون أن ميليس يخبئ في أكمامه ما سيباغت به الجميع الى الحد الذي قد يضمّن تقريره ما يدين رأسي السلطة في لبنان وسورية.

وينقل عن القيادة السورية انها ستقدم الى ميليس ما توصلت اليه من تحقيقات في قضية اغتيال الرئيس الحريري، وستؤمن له ما يطلب من لقاءات مع المسؤولين الأمنيين، وينقل عن المسؤولين السوريين أيضاً أن الرئيس بشار الأسد تلقى عرضاً مصرياً يتضمن قيام سورية بمبادرة ايجابية تجاه الادارة الأميركية تستجيب لمطالبها حيال العراق، وتساعد في تطبيق القرار 1559 من خلال اقتراحها صيغة تقوم على جمع سلاح حزب الله ووضعه تحت رقابة رسمية ودولية، ثم مباشرة اصلاحات حقيقية داخل سورية تبدأ بالتخلي عن بعض الرموز الأمنية في داخل النظام والتضحية بها، هذا العرض المصري لم يلق تجاوباً سورياً لا لأن الادارة الأميركية ليست من يقف وراءه، بل لأن القيادة السورية ترى أن نظام الرئيس مبارك الذي يعد حليفاً للادارة الأميركية، مهدد من قبل الى السياسة الأميركية فكيف يمكن لسورية أن تطمئن للسياسة الأميركية ونياتها تجاه النظام البعثي في دمشق؟

لذلك فان دمشق تدرك أنها في عين الخطر وتعرف حدود قوتها وتتحسس بدقة أخطار العزلة الدولية التي يجرى وضعها فيها. لكنها تتحسس أيضاً المأزق الأميركي في العراق وحاجة الولايات المتحدة الأميركية للخروج من هذا المأزق وهو أمر كانت دمشق ترى فيه مجالاً للتعاون مع الإدارة الأميركية لا اصطداماً لكن الديبلوماسية الأميركية ظلت على موقفها "ان فرص إيجاد تسوية في ظل انعدام الثقة مع القيادة السورية باتت صعبة جداً ان لم تكن مستحيلة".

مصادر
صدى البلد (لبنان)