تشهد اسرائيل حملة توظيف سياسية داخلية وخارجية لخطة فك الارتباط من غزة يقوم بها الطاقم الحكومي التابع لرئيس الحكومة أرييل شارون من أجل دعم عودة شارون مجدداً الى رئاسة حزب الليكود وتاليا الى رئاسة الحكومة لدورة أخرى، والتصدي للتحديات التي يتعرض لها من خصومه السياسيين داخل الليكود وخارجه وعلى رأسهم وزير المال المستقيل بنيامين نتنياهو.

منذ الانتهاء من اخلاء المستوطنين اليهود من القطاع تحاول وزارة الخارجية الاسرائيلية ان تصور هذه الخطوة بأنها فتحت الباب امام اقامة علاقات ديبلوماسية مع عدد من الدول الكبيرة والمهمة وذات الاكثرية الاسلامية مثل باكستان،وانها شكلت منعطفاً أساسياً في عودة الحرارة الى العلاقة مع دول عربية مثل الاردن ومصر وتونس وبعض دول الخليج العربي، مع توقعات متفائلة لوزير الخارجية بأن ثمن الانسحاب من غزة سيكون كبيراًعلى صعيد استعادة اسرائيل مكانتها الدولية وتحسين علاقاتها مع دول العالم لا سيما الاوروبية منها.

لكن الواضح حتى الآن ان الثمن الديبلوماسي الوحيد الذي كسبه شارون من تنفيذه لخطة فك الارتباط عن غزة كان رسائل الثناء والمديح التي وجهها له عدد من زعماء الدول الغربية.اما الزيارة التي تحدث عنها الاسرائيليون لملك الاردن عبد الله فيبدو أنها مؤجلة. كذلك زيارة الرئيس المصري حسني مبارك قد لا تتم خلال وقت قريب وعلى الارجح ليس قبل الانتخابات الداخلية الرئاسية لحزب الليكود.

أما بالنسبة لعودة الحرارة الى العلاقات مع دول الخليج أو دول المغرب العربي فكلام يعوزه الكثير من الدلائل الفعلية والحقيقة بأن الممثليات الاسرائيلية قد تفتح أبوابها وتعاود نشاطها قريباً. حتى الحديث عن قرب اقامة العلاقات الديبلوماسية مع باكستان يبدو مبالغا به الى حد ما نظراً للشروط التي وضعها الباكستانيون ألا وهي انهاء الاحتلال الاسرائيلي للضفة وقيام دولة فلسطينية.

هناك توجه واضح لدى وزارة الخارجية الاسرائيلية نحو الإيحاء بان الانسحاب الاسرائيلي من غزة يضاهي في مدلولاته السياسية انعقاد مؤتمر مدريد عام1991 الذي كان دافعاً لحركة ديبلوماسية عربية نحو الانفتاح على اسرائيل والبدء بتطبيع العلاقات معها جنباً الى جنب مع تقدم عملية التسوية السلمية التي كان من أهم نتائجها اتفاقات السلام مع الاردن ومنظمة التحرير الفلسطينية.

فالراهن اليوم ان ما قامت به اسرائيل لا يعدو ان يكون خطوة أحادية الجانب تفتقر الى بعد سياسي واضح بعيد المدى، وما زال حجم ارتباط هذه الخطوة ب"خريطة الطريق" التي تتبناها كل من واشنطن واللجنة الرباعية غامضاً.

صحيح ان شارون قام ربما للمرة الأولى في حياته السياسية بإخراج مستوطنين يهود من أراض فلسطينية ولكنه كعادته لم يضع ما فعله في إطار الحل الشامل والدائم للنزاع مع الفلسطينيين وانما في اطار الحلول الجزئية والمنفردة التي تراعي قبل كل شيء المصلحة الامنية والسياسية لاسرائيل والتي حالياً لا تتطابق مع الرؤية الدولية للحل القائم على مبدأ دولتين لشعبين.

على الصعيد السياسي الداخلي بدأت تظهر أكثر فأكثر الازدواجية في اللغة السياسية التي يستخدمها شارون لدى الحديث عن مستقبل الضفة.

فلدى توجهه الى وسائل الاعلام الغربية وخصوصا الاميركية يلمح بان الانسحاب من غزة لن يكون الاخير وان مستوطنات يهودية أخرى في الضفة قد تلقى المصير عينه. ولكنه عندما يجتمع بناشطين من حزبه ومسؤولي فروعه يقول كلاما مخالفاً تماماً. إذ يجزم بان فك الاتباط هو الانسحاب الاخير الذي سيقوم به وان القدس ستبقى موحدة وعاصمة أبدية لإسرائيل وأن البناء في المستوطنات في الضفة سيستمر بصمت رغم كل الاحتجاجات.

وهكذا يكون شارون قد استرجع من جديد هويته الاصلية بوصفه المدافع الاول عن المستوطنين وعن بقائهم في الضفة. وهو يأمل أن يكون حتى موعد الانتخابات الداخلية للرئاسة في حزب الليكود قد استطاع ترميم شعبيته داخل حزبه واستعاد ثقة ناخبيه من جديد.

مصادر
النهار (لبنان)