لم تكن السياسة مكانا يرتاده "السندباد البحري" أو حتى "السندباد البري" كما هي اليوم، حتى أنني بدأت أشك في أن الأجيال التي تربت على أدبيات ألف ليلة وليلة تستخدمها اليوم بأسلوب رائع، خالقة من المجال السياسي مغامرة كبرى.

ما نشعره اليوم قبل زيارة ميلس أن المسألة هي جغرافية مجهولة ومفتوحة الاحتمالات، فالتحليلات التي يتبرع المحللون في زجها داخل رؤوسنا تكتب عمليا ملحقا إضافيا في ألف ليلة وليلة، فنشهد مزيدا من قصص شهرزاد بينما تتطور نرجسية شهريار إلى أبعد من المجال الذي خلقته أيام الجواري.

اليوم ومع كم المعلومات "الافتراضية" فإن "المجهول" الذي يحمله ميلس بات دافع قلق نصنعه بأقلامنا، أو حتى بتصريحاتنا المتلاحقة. والمسألة ليست في نتائج التحقيق أو الجهات المتورطة بالاغتيال، إنما بطبيعة التفكير السياسي التي تقفز فوق المعلومات بقدرة تفوق "الأكروبات" المستخدم في أي سيرك عالمي. وإذا كان القلق من وجود دوافع سياسية ضمن مجريات التحقيق، أو حتى توظيفه لأغراض سياسية، فهذا الأمر تحقق منذ أن قررت الأمم المتحدة إرسال لجنة التحقيق إلى لبنان. ليس لأن الأمر لا يستحق تحقيقا دوليا، بل لأن إرسال اللجنة بني على أساس أننا غير قادرون على إجراء تحقيق نزيه.

الدوافع السياسية اليوم هي المجهول الذي يحوم حوله المحللون لما يقوم به ميلس ... وهذه الدوافع تذكرنا بلجان تقصي الحقائق بعد انسحاب الأتراك من بلادنا بعد الحرب العالمية الأولى، لذلك فإن المبرر وراء هاجس "الدوافع السياسية" موجود ومحفور بالذاكرة، وعلينا تذكر لجن "كينغ – كراين" إضافة لكل المداولات داخل عصبة الأمم.

عمليا فإن الاستراتيجية الدولية هي التي انتصرت في النهاية، وارتسمت المنطقة كحصيلة للتوازن الدولي، بينما بدء مجتمعنا صراعا جديدا ضد الانتداب .. والسؤال: ألم ترتسم المنطقة اليوم وفق التوازن الدولي؟!! ومن هنا فإن الدوافع السياسية ليست موجود بل تحققت باحتلال العراق وبالقرار 1559 وبصيغ التعامل بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل وبما يسير عليه لبنان حتى تكتمل صيغته السياسية الجديدة.

"الدوافع السياسية" ربما تكون نتيجة الانتظار وعدم تملك المعطيات وقراءتها .. فالدوافع السياسية لا تستطيع الانتصار إلا مع الافتقار إلى مراكز الأبحاث والدراسات التي تدعم إدارة الأزمة ... ليس هناك مفاجأة في الدوافع السياسية بل ربما صدمة بأننا نتحدث عنا وكأنها شأن مستحدث.