لا أدري كيف يتسنى لحكومة جعل حزبها الحاكم من الوحدة شعاره الاول ان تصدر قراراً يتنافى كلياً مع الانفتاح على الدول العربية الشقيقة، بمعنى الاحتكاك والتزاور وتبادل المصالح!

وأقصد هنا القرار الذي أصدرته الحكومة السورية أخيراً برفع رسم الخروج على سفر المواطن السوري الى لبنان من /200/ ليرة سورية الى /800/ ليرة سورية (أي أربعة أمثال) ورفع رسم الخروج بسيارته من 950 ل.س الى 1500 ل.س.

هذا بالاضافة الى رفع رسم الخروج الى سائر البلدان العربية الأخرى من 600 ل.س الى 800 ل.س.

كيف يمكن تحقيق الوحدة بمفهومها الحقيقي، أي التزاور والتعارف والاحتكاك وإقامة العلاقات الشخصية والمصالح المشتركة إذا وضعنا العراقيل المختلفة (جوازات السفر، ورسوم السفر الباهظة، والقيود الإدارية البيروقراطية على الحدود) في وجه المواطنين؟!

القرار المذكور يخص بالدرجة الاولى الدول المجاورة لسورية مثل لبنان والاردن، وبالدرجة الثانية باقي الدول العربية. إذ رغم عمومية القرار الا أنه يخص بالدرجة الاولى المسافرين براً، مما يعني بالنسبة الى المواطن السوري لبنان. وهذا ما جعل الكثيرين يعتقدون ان القرار يتضمن نوعاً من الضغط غير المباشر على لبنان.

والحق انه اذا كانت هناك نية للضغط فإن الضغط يقع على الجانبين، بل على الجانب السوري بدرجة اكبر. صحيح ان هناك كثيراً جداً من الأشقاء اللبنانيين يرغبون في السفر الى سوريا، ولاسيما دمشق، لأغراض التزاور مع الاهل والسياحة والمشتريات، ولكن الصحيح أيضاً ان عدد السوريين الذين يسافرون الى لبنان لأغراض مشابهة أكبر.

وإذا أضفنا الى الزوار العاديين عشرات الألوف من العمال السوريين الذين اضطرتهم ظروف العيش للعمل في لبنان بأجور معقولة نسبيا، نجد ان القرار – العقوبة يقع على كاهل السوريين أولا. فمعظم العمال السوريين في لبنان يرجعون الى أسرهم في الوطن بمعدل مرتين او ثلاث مرات في الشهر لتزويدها بوسائل العيش. وهذا يعني انهم سيدفعون رسم الخروج المذكور والباهظ بالنسبة لمدخولهم، ثلاث مرات او اكثر.

من جهة ثانية قد تلجأ بعض الدول العربية، ولاسيما لبنان والاردن الى خطوة مماثلة فتفرض رسم خروج مرتفعاً على سفر مواطنيها الى سوريا، مما يعني ان تخسر سوريا آلاف الزائرين العرب من الدول المجاورة الذين يأتون اليها للسياحة والتنزه وزيارة الأقارب وقضاء الاعمال.

اذا كان صانع القرار المذكور يعتقد ان القرار سيعود على الخزينة بعائدات جيدة فهو غير مصيب. إذ حتى من الناحية الاقتصادية يضر أكثر مما ينفع لأسباب بيّنتها. فانحسار سفر السوريين الى الدول العربية المجاورة، نتيجة للقرار، سيقابله انحسار عربي مماثل من دول الجوار. فضلا عن أنه يتنافى مع اعتبارات "سوا ربينا" والانفتاح على الأشقاء العرب وتعزيز العلاقات مع الدول الشقيقة.

ان العائدات التي يوفرها مثل هذا القرار يمكن الحصول عليها بسهولة من خلال تقليص الهدر في الانفاق على السيارات الحكومية من وقود وتصليحات، وفي شراء السيارات الباذخة لبعض المسؤولين واهداء بعضها الآخر الى الاعوان والمحاسيب.

سوريا بكل الاحوال ستواجه استحقاقاً صعباً قد ينعكس بصورة سيئة على العلاقات مع لبنان، ومع الاسرة الدولية، إذا ما أظهر التحقيق الدولي أية شبهة أو دليل – وهذا ما نتمنى الا يحصل– على تورط مسؤولين سوريين مع مسؤولين أمنيين لبنانيين في جريمة اغتيال الحريري. ولا شك ان كل مواطن سوري يتطلع الى ظهور براءة سوريا من أية شبهة تتعلق في تورطها في جريمة كهذه. صحيح ان بعض المسؤولين السوريين قد ارتكبوا أخطاء عدة في لبنان، اتخذت في النتيجة ذريعة لصدور القرار 1559 وخروج سوريا من لبنان، ولكن الأمر في تقديري لا يمكن ان يصل الى حد الايعاز أو المشاركة في عملية الاغتيال، فسوريا التي دفعت ثمناً باهظاً للمحافظة على وحدة لبنان ومنع تقسيمه لا يمكن ان تقدم على عمل كهذا.

من هنا فإن توقيت قرار رفع رسوم السفر الى لبنان لم يكن موفقاً. اذ يبدو وكأنه اجراء عقابي للحيلولة دون سفر اكبر عدد ممكن من السوريين الى لبنان.

التصرفات الكيدية تضر بمصالح الجانب الأكبر من مواطني البلدين، وقد تترك آثاراً مؤلمة وضارة لفترة طويلة. لا بد ان يتصرف المسؤولون في كلا البلدين بمنتهى التعقل، والحيلولة دون أية تصرفات تسيء الى العلاقات بين البلدين ومصالحهما.

لا ينبغي ان نعاقب لبنان على قرار دولي اتخذت اخطاؤنا ذريعة لاصداره. آن الآوان ان نعي درس لبنان بالابقاء على العلاقات الخاصة بين البلدين على اساس من التكافؤ لا الوصاية. فلبنان خاصرة سوريا، وسوريا حاضنة لبنان، ولا يمكن لأحد البلدين ان يستغني عن الآخر. لنصحح العلاقة الوثيقة والمشتركة بين شعبينا على أساس المساواة والمصالح المشتركة ولنترفع عن الاعمال الكيدية. فالخطر الذي يواجهنا جسيم.

ينبغي ألا نُضيّع لبنان ولا أن يُضيّعنا لبنان فكلانا بحاجة الى الآخر. وبعد ان نتجاوز هذه المحنة العابرة، اتمنى ان تعود العلاقات الأخوية الوطيدة بين البلدين على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.

مصادر
النهار (لبنان)