يطفو اليوم الكثير من النقاش حول الكتابة أو القول أو التعبير مقرونا أو منسوبا إلى مكان نشره من صحف ومجلات وقنوات فضائية وانترنت، ويحتدم النقاش حول إن مكان التعبير هو جزء أساسي منه، فمن يصرح لقناة الحرة هو جزء منها وربما جزء من الكونغرس أو وزارة الخارجية الأميركية، ومن يكتب في صحيفة هو جزء مروج لتوجهات هذه الصحيفة، ومن يهرب إلى الفضاء الافتراضي هو عبد لهوى شاذ لم يستطع أن يكون كاتبا في الواقع فهرب إلى الافتراض. طبعا ما يتبع هذا الرأي من اتهامات حول التمويل والمقابل المادي …الخ

في المقابل وفي نفس الفقرة من هذا الموضوع أي النشر منسوبا إلى مكانه، يرد الناشرون أنهم لا يقولون إلا ما عندهم، ولا يتراجعون عن آرائهم ورؤاهم مهما كانت وسيلة النشر ومهما كان المقابل المادي، فهم ليسو جزءا إلا من الوطن و ليس لهم ولاء لأية مطبوعة أو محطة فضائية، إلا كمنبر، وليس في المحليات ما يغطي الحاجة ماديا أو معنويا.

انه مأزق معاصر لا احد يجرؤ على الخوض فيه لأن المعلومات التي يستند إليها الرأيان صحيحة تماما ولكن التعامل مع هذه المعلومات هو تعامل مفزوع من التوصيف والتوصيف المقابل أي انه يعود إلى ذهنية ما قبل الميديا أو الإعلام، وكأننا ننظر إلى النشر بنفس طريقة نظرنا التراثية إلى الفرمان العثماني ووسيلة إعلانه وتبليغه، حيث تأخذ الوسيلة قيمتها ليس من مضمون البلاغ ولكن من الرضى عن مصدره.

ليس هناك إعلام ينطق عن الهوى، وليست هناك وسيلة نشر بلا أهداف، ولكن النقاش في هذه المسألة يفترض أن يكون حول الاتساع الذي يحتمل القدرة على التنوع، الذي يسمى جزافا الاختلاف، ولأن نشر الرأي مهما كان هو من أشرف أنواع الاختلاف ولكن مع مواجهته بتوصيفات اقلها التخوين، (تشلحه) قدرته على الحوار السلمي بمعناه الجدلي، وبالتالي إلغاء احد طرفي المعادلة تحت شعار عدم نظافة الحامل من جهة، أو غباء وتخلف الذين تجاوزوا قيمة الرأي إلى انتقاد وسيلة إيصاله من جهة أخرى، لندخل في دوامة هي خارج متن الرأي أو وجهة النظر.

عندما ندخل هكذا دوامة يصبح إلغاء الآخر لا يعبر عن مصلحة، وإنما يتم التعلق بالإلغاء من اجل الإلغاء، أي تبادل الإلغاء بين طرفي المعادلة وهي قمة الوحشية الفكرية، مع عدم الإنكار على أي طرف صحة معلوماته ونظافة نواياه، …. إذا …..؟

كل وسائل النشر سوف تظل موجودة سواء قبلنا أو رفضنا، وسيبقى الرأي الآخر موجودا سواء انطرشنا أو سمعنا، والحل يكمن أن تكون لنا وسائلنا المقابلة ….. وهذه تحتاج إلى حداثة …. والبيضة عند الجاجة …. والجاجة عند الحداد … والحداد بدو مفتاح …. والمفتاح بالطاحونة …. والطاحونة مسكرة …. فيها مي … الخ الخ …. هل نقول فالج ….؟