اعتباراً من اليوم الاثنين تدخل سوريا طرفاً مباشراً في التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري مع بدء رئيس لجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس مهمة شاقة في دمشق ومفتوحة على احتمالات ومفاجآت شتى. وحتى اليوم كان في وسع المسؤولين السوريين الادعاء انهم كانوا يتعرضون من فريق كبير من اللبنانيين في السلطة وخارجها لافتراءات وسهام تشكيك واتهامات بمسؤولية سياسية سورية عن اغتيال الرئيس الراحل، وكانوا كذلك محط شكوك المجتمع الدولي في دور ما لدمشق لم تصل الى حد اتهامها مباشرة كون جيشها كان لا يزال يشرف على الامن في لبنان في 14 شباط الفائت، ولان اغتيال الحريري تزامن مع خلاف حاد كان قد نشب بينه وبين القيادة السورية منذ التمديد للرئيس اميل لحود قبل سنة.

ولذلك لن يكون لدى لجنة التحقيق الدولية ثمة فاصل، وخصوصاً حيال دور سوريا، بين الدافع السياسي والفعل الجرمي. وهو ما كان مدار اهتمام رئيس لجنة تقصي الحقائق بيتر فيتزجيرالد ثم ما بعده ميليس. كما لم تخلُ التحقيقات التي أجراها الاخير مع قادة الاجهزة الامنية الموقوفين من هذا الترابط.

لذلك يصح القول اليوم ان سوريا دخلت علناً ودولياً في دائرة الشبهة الى ان يعلن القاضي الالماني العكس. وفي واقع الامر ان الاخير يذهب اليها في ظل أجـــــواء مثــــقلة بالقـــــــلق بالنسبة الى المسؤولين السوريين من خلال مؤشرات منها:

- ان ميليس يتوجه الى دمشق وقد سبقته اخبار تتحدث عن انه يملك ادلة عن تورط سوري ما في اغتيال الرئيس السابق للحكومة من خلال ادوار اضطلع بها ضباط سوريون من داخل النظام خصوصاً، وهو يريد التحقق منها وتوثيقها.

- كشف اسماء مسؤولين سوريين كبار انسباء للرئيس بشار الاسد واخرين قريبين منه طلب ميليس استجوابهم في دمشق. وهو امر يصبح ذا دلالة مهمة اذ يجعل القيادة العسكرية والامنية المحيطة بالرئيس السوري في موضع شبهة في حادث الاغتيال حتى اشعار اخر، مما يشعر الاسد بحرج مماثل لذاك الذي لا يزال يخبره الرئيس اللبناني منذ ما قبل توقيف القادة الامنيين الاربعة في 30 آب الفائت عندما تردد ان ضباطاً كباراً قريبين منه وفي فريق عمله هم موضع شبهة ما في الاغتيال. وان بدا ان ثمة فارقاً جوهرياً بين موقع كل من الرئيسين اللبناني والسوري على رأس السلطة والقرار في البلدين.

اذ بمقدار ما يمكن ان تساق شبهة ما الى لحود، وهو ما لم يقل به القاضي الالماني بعد، من غير ان يصح تعميمها على سائر اركان السلطة، فان المشكلة في سوريا اكثر تعقيداً وخطراً في حال وُجّهت شبهة الى ضابط كبير في السلطة السورية اذ سرعان ما تحاصر هذه النظام برمته نظراً الى طبيعة حكم سوريا التي يقودها الرئيس بذراعي حزب البعث والجيش. وهو يمسك بزمام السيطرة عليهما.

- تواتر شائعات عن مغادرة ضباط سوريين كبار وبينهم من كان في صلب النظام سوريا، ناهيك بشائعات اخرى عن اجتماعات عقدت في عواصم اوروبية بين ضباط سوريين كبار سابقين من رجال عهد الرئيس الراحل حافظ الاسد ورفعت الاسد عمّ الرئيس السوري بغية التخطيط للانقلاب عليه في ظل ظروف دولية تجعل هؤلاء يعتقدون بامكان اجراء تحرك من هذا النوع يلقى عطفاً وتشجيعاً.

مهمة مزدوجة

في حمأة هذه التقارير والشائعات تبدو القيادة السورية على ابواب مواجهة مع المجتمع الدولي بعدما احرزت لجنة التحقيق الدولية تقدماً مهماً في مهماتها، وان تكن دمشق اكتفت حتى الساعة بمقاربة الضغوط عليها باعصاب باردة. وبات واضحاً أيضاً ان استقرار النظام في سوريا في المرحلة المقبلة أضحى مرتبطاً بما ستحدده لجنة التحقيق الدولية عن دور دمشق في اغتيال الرئيس الراحل.

والواقع ان فريقاً لبنانياً رئيسياً دخل بدوره في صلب هذه الضغوط وان من موقع اخر كرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الذي اضحى يميز بين سوريا ونظامها، ويلمح الى مرحلة ما بعد الاسد في السلطة. الامر الذي لم يسبق ان خاض فيه سياسيون لبنانيون قبلاً بمن فيهم غلاة المعارضين المسيحيين في حقبة النفوذ السوري في لبنان.

في ظل هذا الواقع فان لمهمة ميليس في دمشق وجهاً اخر من شأنه تخطي استجواب مسؤولين امنيين فيها الى مرحلة تالية لهذا الاستجواب في حال تبين للقاضي الالماني ان بين هؤلاء مشتبهاً فيهم، واذذاك يفتح الباب على مسؤولية للقضاء السوري حيال مجلس الامن.

وخلافاً للبروتوكول الذي ينظم منذ حزيران الفائت علاقة لجنة التحقيق الدولية بالقضاء اللبناني، فليس ثمة دور للقضاء السوري في اغتيال الحريري تعاملت دمشق معه على انها غير معنية به وأنكرت كل الاتهامات التي سيقت اليها حياله وأدرجتها في اطار التشفي والانتقام ورحبت كذلك بحرارة بما اعلنه ميليس في مؤتمره الصحافي في بيروت (في الاول من ايلول) من ان لا مشتبه سورياً في الاغتيال. على ان انتقال الاستجواب الى داخل الاراضي السورية وشموله مسؤولين هم في صلب النظام يفتحان الباب على قرار جديد لمجلس الامن بغية تأكيد ما كان قد نص عليه القرار 1595 بحضه جميع الدول والاطراف على التعاون مع لجنة التحقيق الدولية في عملها لكشف الحقيقة في اغتيال الرئيس السابق للحكومة.

مصادر
النهار (لبنان)