تعرف سوريا بشار الاسد ان علاقتها مع الولايات المتحدة ساءت الى درجة كبيرة في الاعوام القليلة الماضية وتحديداً منذ الارهاب الذي تعرضت له الاخيرة في 11 ايلول 2001 واحتلال العراق الذي نفذته ربيع عام2003. وتعرف ايضاً ان هذا السوء في العلاقة تفاقم كثيراً في ايلول الماضي عندما قررت وحدها نيابة عن ممثلي الشعب اللبناني في مجلس النواب من حلفاء واخصام ومن اعداء وخلافاً لارادتهم ورغبتهم تمديد ولاية رئيس الجمهورية اللبنانية العماد اميل لحود. وتعرف ثالثاً ان السوء نفسه بلغ الذروة في 14 شباط الماضي عندما اغتالت ايد مجرمة رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري والنائب باسل فليحان ورفاق لهما وذلك بعد اشهر من المحاولة غير الناجحة لقتل النائب مروان حماده حليف الحريري وعضو كتلة اللقاء الديموقراطي الذي يتزعمه الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط. واستمر التأزم في العلاقة بعد ذلك مع اغتيال الزميل سمير قصير ثم "المناضل" جورج حاوي ومع استمرار التفجيرات "المعيرة" في مناطق معينة من بيروت الكبرى. وتعرف رابعاً ان اشتباه الولايات المتحدة ومعها المجتمع الدولي بدور ما لها في كل ذلك هو احد ابرز اسباب سوء العلاقة مع واشنطن وان هذا الاشتباه سيوضع على المحك بواسطة لجنة التحقيق الدولية التي شكلها مجلس الامن للتحقيق في قتل الرئيس الشهيد الحريري والتي بدأت عملها قبل نحو ثلاثة أشهر والذي يفترض ان تنهيه خلال اقل من شهرين اعتباراً من اليوم.

هل حاولت سوريا بشار الاسد خلال كل هذه المرحلة تبديد سوء علاقتها مع اميركا جورج بوش؟

قامت بمحاولات عدة في هذا المجال، يجيب متابعون ومن قرب لعلاقة دمشق وواشنطن وتحديداً في الفترة التي سبقت التطورات السياسية والامنية السلبية في لبنان منذ ايلول الماضي. لكن النجاح لم يحالف هذه المحاولات لاسباب عدة ابرزها اثنان. الأول فقدان الادارة الاميركية الثقة في رغبة الحكم السوري في اقامة علاقة جيدة وثابتة مع اميركا تنطلق من الوقائع الجديدة في المنطقة التي تكونت في اعقاب ارهاب 11 أيلول 2001 ثم احتلال العراق. وهي لمست ذلك خلال اللقاءات الرفيعة المستوى التي عقدت بين مسؤولين مهمين في البلدين وكذلك خلال الاتصالات العادية عبر الاقنية الديبلوماسية. والثاني قرار سوريا عدم حسم موقفها من الاقتراحات الاميركية المقدمة اليها ومن الوضع الجديد الذي بدأت ادارة بوش ترسي اسسه في المنطقة ورهانها على الوقت الذي يمكن ان يتسبب بتعثر اميركا وتالياً بعودتها الى الاقتناع بدور ايجابي لدمشق في تهدئة المنطقة، وقرارها في الوقت نفسه عدم قطع الاتصال المباشر وغير المباشر بواشنطن ولكن بغية الحصول على المزيد من المعلومات والمعطيات وليس بغية اتخاذ قرار بالتعاون التام معها. وهي بررت وربما لا تزال تبرر موقفها هذا بالأثر الكبير الذي لاسرائيل عدوتها في السياسة الاميركية الشرق الاوسطية. الا ان المحاولات المذكورة، يقول المتابعون انفسهم توقفت منذ كانون الثاني الماضي أي قبل اغتيال الحريري الذي كان فعلاً وقولاً زلزالاً هائلاً لا تزال ارتداداته مستمرة حتى اليوم. طبعاً يضيف هؤلاء استمرت سوريا بشار الاسد في الاعداد لموقف متكامل في العلاقة مع اميركا، وهي قد تكون سعت لايصال عناصر موقف كهذا لها. لكن أي شيء عملي لم ينتج عن كل ذلك على الاقل حتى الآن، ولا يبدو ان شيئاً من ذلك سينتج الآن لاسباب كثيرة معروفة.

ما هي عناصر هذا الموقف المتكامل اذا جاز التعبير على هذا النحو؟

لخص المتابعون اياهم من قرب لعلاقة دمشق – واشنطن قبل نحو ثلاثة اسابيع عناصر الموقف المذكور الذي ربما اكتمل اخيراً بالآتي:

- يتركز همّ سوريا بشار الاسد على بناء دولة الاستقلال الوطني من دون ان يعني ذلك الانغلاق او الانعزال او معاداة العالم او مخاصمة المجتمع الدولي وزعيمته الاحادية اليوم الولايات المتحدة.

– تريد سوريا بشار الاسد ان تكون لها علاقة جيدة، وليس أي علاقة، مع الولايات المتحدة، وهي تفضل ان تكون علاقة صداقة وتعاون.

– تعتقد سوريا بشار الاسد ان وزير الخارجية الاميركي كولن باول (السابق) اثناء الولاية الرئاسية الاولى لجورج بوش ساهم في تأزيم العلاقة بين بلاده وسوريا اثناء زيارته دمشق في حين ان الهدف منها كان تبريد التوتر بينهما او على الاقل تقليصه. فهو طرح اثناء اجتماعه مع الرئيس السوري نقطة واحدة فقط لكنه قال للاعلام بعد اللقاء في بيان مكتوب اموراً لم يناقشها وبدا كأنه يريد حشر سوريا (هناك كلام اميركي ان هذا التقويم السوري ليس صحيحاً، لكن فيه شيء قابل للبحث، اذ تدخل أحد معاوني باول في اللقاء في محاولة للفت نظر الاخير الى ضرورة استيضاح جواب قدمه بشار عن سؤال معين كي تكون الامور جلية، لكنه لم يفعل. وقيل في حينه ان الهدف ربما كان الحرص على تفادي اي اشكال مع زملائه "المحافظين الجدد" في الادارة).

– تستطيع سوريا بشار الاسد بالتعاون مع ايران الاسلامية تهدئة الاوضاع في العراق او مساعدة اميركا على تهدئتها لأن لا مصلحة لها في انهيار العراق، وتستطيع ان تساعد ايضاً في الملف الايراني.

– تعتقد سوريا بشار الاسد ان هناك قراراً اميركياً باسقاط نظامها أو على الاقل رهانا على سقوطه.

– مرّ الرئيس بشار الاسد منذ توليه الرئاسة عام 2000 وحتى عام 2005 بمرحلة مشابهة للتي مر فيها والده الرئيس الراحل بين عامي 1965 و1970. فالاخير استعمل هذه السنوات الخمس لتثبيت سلطته وجعل نفسه صاحب القرار الأوحد ونجح في ذلك بتوليه السلطة كاملة عام 1970. والأول أي بشار استعمل سنواته الخمس الاولى في الرئاسة للقيام بالامر نفسه ونجح في ذلك، وهو الآن في مرحلة جديدة. (علماً ان تألق والده ظهر في وضوح بين عامي 1985 و1986). والرئيس بشار هو المقرر الوحيد والآخرون منفذون قد تكون لهم حصص صغيرة في القرار، لكن ذلك سيتقلص مع الوقت بل سينتهي.

– لن تتخلى سوريا بشار الاسد عن حزب البعث ودوره "الرائد" و"القائد". لكنها تعد لدور مهم يقوم به الليبيراليون. فالحكومة السورية مثلاً سيتمثل فيها الليبيراليون (الاقتصاديون) بكثرة وسيبقى الحزب محافظاً او متشدداً ويمارس دور الرقابة. وقد يؤدي ذلك مستقبلاً الى قيام شيء شبيه بنظام الحزبين وان على نحو غير رسمي. علماً ان ذلك لا يزال غير ثابت.

– تنفي سوريا بشار الاسد وجود تيار اسلامي اصولي قوي فيها وتؤكد ان البعث هو الحزب الاكبر والاقوى لكنها منفتحة على الاسلام المعتدل. وقد وعد بشار وفداً يمثل هذا الاسلام اثناء استقباله اياه بمنحه رخصة تأسيس حزب شرط ان لا يحمل اسما دينياً، ويبدو ان في ذلك تشبهاً بالتجربة التركية.

– اعادت سوريا بشار الاسد نوعاً من التفاهم مع المملكة العربية السعودية يقضي بعدم جرها الى استهداف النظام السوري.

– تعتقد سوريا بشار الاسد ان اتصالات امنية مع اميركا قد تبدأ قريباً عبر زيارة مسؤول امني اميركي رفيع دمشق.

هل يعكس الموقف السوري المفصل أعلاه واقعاً حقيقياً أو تمنيات (wishful thinking)؟

يميل معظم متابعي علاقة اميركا وسوريا الى اعتباره تمنيات. ويعتقد قريبون من دمشق وآخرون متابعون محايدون لسياستها انها لم تتخل عن رهانها على الوقت وانها تسعى للصمود حتى عام 2007 موعد بدء معركة الانتخابات الرئاسية الاميركية التي ستجعل المرشحين فيها من جمهوريين وديموقراطيين منتقدين لاستراتيجيا بوش الشرق الاوسطية وسياسته العراقية. فاذا نجحت في الصمود فانها ستعود لاعباً قوياً في المنطقة، وستعود الى "حكم" لبنان بذكاء اكبر وحقد اكبر ومن دون أي وجود عسكري فيه. الا ان الجواب المستند الى تحليل ومعلومات لا بد ان يأتي من واشنطن. وقد زرتها اخيراً لمدة اسبوع والتقيت فيها عدداً من الاصدقاء والعاملين في الشأن العام والمهتمين في الشأن الاقليمي والسوري – اللبناني تحديداً. لذلك سأسعى اعتباراً من يوم غد الى شرح قد يكون مبسطاً وقد يكون معقداً للعلاقة السورية – الاميركية الآن التي قد تقترب من مرحلة اللاعلاقة.

مصادر
النهار (لبنان)