أربعة أعوام مضت على هجمات الحادي عشر من سبتمبر كأنها حصلت يوم أمس، وما زالت مشاهد سقوط البرجين في حي منهاتن في نيويورك محفورة بأذهاننا، واذا ما نسيناها يوما فهناك العشرات من المحطات الفضائية الكفيلة بتذكيرنا بها، وقبل المحطات الفضائية، يكفي أن ننظر الى ما يجري في العراق وفي كثير من دول الشرق الأوسط والعالم الاسلامي من أحداث حتى نكتشف أن شظايا أحداث الحادي عشر من سبتمبر لم تصب أحدا في العالم وتؤذيه مثلما آذتنا نحن العرب بخاصة والمسلمين بعامة, واذا ما نظرنا مليا وبلغة الحسابات والأرقام سنكتشف أيضا أن رقم ثلاثة ألاف قتيل «اميركي» سقطوا في ذلك اليوم يكاد لا يذكر أمام أرقام من قتلوا وسجنوا وجرحوا من العرب والمسلمين الذين حصدوا، وما زالوا يحصدون، آثار تلك «الغزوة البن لادنية».

وعدا عمن قتلوا من هنا وهناك، يكفي القول ان اميركا استطاعت لملمة جراحها في اليوم التالي واستطاعت أن تكسب تعاطف غالبية شعوب وحكومات الأرض معها نتيجة تلك الضربات الآثمة، بينما جلبت تلك الضربات التي أرادها ووقعها بن لادن باسم الاسلام والمسلمين، كل الشرور علينا حتى باتت كلمات مثل «مسلم» و«عربي» و«شرق أوسطي» بنظر الكثير من شعوب الأرض، وخصوصا في أوروبا والاميركيتين مرادفة تماما لكلمة «الارهابي».

ولم تنته القضية هنا، لقد خرجت الولايات المتحدة وقواتها العسكرية وطائراتها وصواريخها ورجال مخابراتها الى كل البقاع التي تصدّر «الارهاب» واضعين نصب أعينهم هدف اعادة ترتيب الجغرافية السياسية لكثير من الدول، وفي مقدمتها بعض الدول و الأنظمة العربية التي اعتبرت مصنع الارهاب والارهابيين, وكلنا يعرف كيف كانت افغانستان واسقاط نظام طالبان فيها مجرد بداية ومقدمة في الطريق نحو العراق وربما لاحقا نحو بعض أنظمة شرق المتوسط.
صحيح أن لاعلاقة للنظام العراقي بما جرى يوم الحادي عشر من سبتمبر حين ضربت الولايات المتحدة في عقر دارها على ايدي «مجاهدي» بن لادن، كذلك ثبت أن لا وجود لأسلحة دمار شامل في حوزة نظام صدام حسين ، وهي مبررات ساقتها الولايات المتحدة لشن حربها ضد ذلك النظام، لكن الولايات المتحدة، وبسبب تعرضها للارهاب، وبحجة الحرب عليه، وتجفيفه في منابعه، استطاعت فيما بعد أن تكسب تأييد الكثير من الدول، وصولا لشرعنة خطواتها واحتلالها العراق عبر قرارات عدة صادرة عن مجلس الأمن الدولي، وفيما بعد من خلال كسب ود ابرز الدول المعارضة للحرب مثل فرنسا والمانيا وروسيا, وتكرس هذا التأييد لاحقا بعد جملة من التفجيرات الارهابية التي طالت بعض الدول الآسيوية والعربية والأوروبية وراح ضحيتها الآلاف من الأبرياء، تماما مثلما حصل في الولايات المتحدة منذ أربع سنوات، هنا استطاع بن لادن ورفاقه «المجاهدون»، طبعا في اطار «الحرب على الارهاب» التي شنتها الولايات المتحدة، أن يوحدوا دولا وأنظمة وقوى قلما ألتقت واتفقت يوما .

كل ذلك جرى وما زال مستمرا، بينما «المجاهدون» بلحاهم الطويلة وبنادقهم ثابتون في كهوفهم ومغاراتهم يبثون من حين لآخر ومن خلال أشرطة الفيديو عبر الفضائيات ومحطة «الجزيرة» المحببة الى قلوبهم آخر الخطابات القروسطية متوعدين العالم بالدم والقتل ومزيد من «الغزاوت المباركة»، بينما شعوب الشرق الأوسط تدفع ثمنا باهظا لن ينته عند حدود القتل واصلاح الأنظمة وربما اسقاطها، بل أتضح جيدا أن الثمن يتعدى ذلك بكثير، لدرجة قال البعض ان مصير الكثير من سيادات الدول العربية ووحدتها باتت في مهب الريح.
ليسعد اذا «الشيخ بن لادن» ومساعده الظواهري وفتاهم الأغر في العراق أبو مصعب الزرقاوي، الذي أكتشف أن الانتصار على الغرب «الكافر والملحد» لا بد أن يمر أولا بقطع الرؤوس وقتل الأبرياء العراقيين من شيوخ ونساء وأطفال ورجال شرطة وموظفين، طبعا مستلهما من «غزوة مانهاتن» مفاتيح الجهاد وطرقه وابداعاته .

في الحادي عشر من سبتمبر قبل اربعة أعوام حدث زلزال عظيم ما زالت آثاره تمتد وتمتد وتتسع لتصل الى بيت كل عربي ومسلم، سواء في البلاد العربية أم خارجها، فمنذ ذلك اليوم بدأت الملاحقة على الهوية والاسم والشكل واللون واللغة، ومنذ ذلك التاريخ فتحت سجون جديدة واقسام جديدة في أجهزة الاستخبارات متخصصة بالارهاب ومكافحته، وقوات لضرب الارهابيين، وتم اختراع اجهزة الكترونية لكشف ما يجول حتى في عقولهم، وأخرى لكشف بصمات خاصة من خلال الأذن والعين، حتى سكاكين المطبخ المحمولة في حقائب ربات البيوت صارت مثار شبهة «ارهابية».

في الحادي عشر من سبتمبر سقط برجان في نيويورك بالولايات المتحدة، بعد الحادي عشر من سبتمبر سقطت دول وأنظمة وانتهكت حرمات، والقادم أعظم.

ليهنأ سيد الكهوف بلحيته، أما نحن فما علينا الا الفرجة ومتابعة آخر أخبار «الغزوات الجهادية» في شوارع المدن ومحطات المترو والباصات وسكك الحديد والفنادق، وأيضا على قارعة الطرقات في العراق الحزين.

مصادر
النهار (لبنان)