تسعى الدول التي تعتبر نفسها مصب هجرات جماعية إلى إجراءات دمج المهاجرين الكثر في المجتمع حتى أصبحت هناك وزارات لهذا الاندماج، ومع أن فكرة الاندماج قائمة على الاستفادة من ثراء التنوع الثقافي إلا أن سعيها الأول ينحو تجاه الإدماج الحقوقي السياسي والذي يحتاج إلى أكثر من مساواة قانونية أي انه يحتاج إلى انضواء في الذهنية الاجتماعية التي تنتج المنظومة الحقوقية للمجتمع، أي السعي إلى توحيد المجتمع كقوة منتجة ومرتقية تستفيد من كافة الثقافات والرؤى المتوفرة، وعلى الرغم من رفض قسم من المهاجرين هذا الانضواء ليس بحجة الخصوصية فقط وإنما بحجة لا يحق لأحد أن يحكمنا ما لم يكن منا، وهذه المنا تفيد في صنع غيتو ببعد جديد هو الإرهاب، وقد صرح الكثير من قادة ما يسمى الجاليات رفضهم لهذا الاندماج وهم ينتظرون الوقت والعدة للانقلاب عليه أي على المجتمع الذي رضي أن يكونوا فيه مواطنين متساوين نظريا على الأقل، مع ضيق المسافة الفاصلة بين النظري والعملي في هكذا مجتمعات.

في الأوطان التي انحدرت منها (وعلى الأغلب ارتقت) هذه الجاليات، والتجربة العراقية مثالا ودرسا نلحظ انعكاس في الخط والخطة وفي الهدف والنوايا، فبدلا من مواجهة استحقاقات الحياة البسيطة ببنية موحدة، تسعى هذه المجتمعات إلى تفتيت ذاتها ليصبح التفتيت هو ذهنية اجتماعية تدمر ذاتها تلقائيا، تحت مبررات وذرائع اقل ما يقال فيها أنها سوداوية وخائفة ومنغلقة وشخصانية، ولكنها من خارج المنجز الإنساني الذي شكل المتحدات الاجتماعية على شكل دول ذات هيئة حقوقية يستطيع الآخر الباقي التعامل معها كبديهية إنسانية أنجزها التطور البشري تحديدا بناء على حاجته للبقاء والاستمرار، وإلا ما معنى أن يعاكس العراقيون (مثالا ودرسا) سنة الحياة (بمعناها العقلاني وليس القدري) وينطلقون من متحد اجتماعي موحد إلى تقسيمات فيدرالية برسم تقسيمات أخرى (وأدق رقبة)، بعكس كل أمم وشعوب الأرض التي تنطلق من حالة تفتت إلى فدراليات برسم التحول إلى مجتمعات مندمجة، أي أن استخدام الفيدرالية كاختراع معاصر بطريقة صحيحة تعبر عن توازن عقلي يقبل بالأهداف الخيرة للجهد الإنساني في وجهه السياسي، أما أن يتحول متحد اجتماعي إلى متحدات لا احد يعرف أنها مؤقتة أم دائمة ؟ فذلك استخدام أقل من أهبل وأكثر من غبي، لاختراع سياسي يسمى الفيدرالية، ومع هذا وبكل وقاحة الجهل يبدو هذا الاستخدام مرضيا عنه ومريحا لقادة الجاليات (وهنا يتساوى الوطن والمهجر في سوء الفهم والطوية تجاهه) في محاولة لصنع غيتو يمارس الحداثة عبر الإرهاب وذلك كنتيجة منطقية لاستخدام المخترعات الحداية بطريقة معكوسة، فيصير الموت بديلا عن الحياة، والماضي بديلا عن المستقبل، والاجترار بديلا عن الابتكار، والخوف بديلا عن الأمان، والانتحار بديلا عن العمل.

من المعيب الاقتراح أن تكون لدينا وزارات اندماج، لأنه من المعيب أن نكون متورطين بالحياة والعيش المجتمعي، ومن غير الصحيح البحث عن أسباب تفرق المتحد الاجتماعي مهما كان الشعار مقدسا، لأنه وببساطة عكس العقل.

وعليه فإن ما يحصل لنا وما قد يحصل (والدرس العراقي مثالا) ليس من صنع المؤامرات مع أنها أمنيات هؤلاء المؤتمرين المفترضين، لأن فرط الاندماج الاجتماعي يحتاج إلى أيدي أعضاء هذا الاندماج، شرط ….. أن تكون عقولهم غائبة.