تتعرض سوريا لحملة إعلامية شرسة ترمي إلى زعزعة الاستقرار الداخلي وتغيير النظام القائم ومن ثم انبثاق نظام حكم مختلف يتعاون مع الاحتلال في العراق ويرضى بإدراج قضية الجولان على “الأجندة الإغريقية” ويمتنع عن التعاطف مع المقاومة الفلسطينية ويتنكر للمقاومة اللبنانية ويدير ظهره لإيران ويفتح السوق السورية أمام الرساميل المتوحشة ويسمح للرئيس بوش بالافتخار بأنه أطاح بآخر الممانعين العرب وبأن احتلال العراق لم يكن “مغامرة حمقاء” على ما يؤكد معارضو غزو بغداد.

في هذا السياق تشتد الضغوط على سوريا وتتخذ أشكالا متعددة:في لبنان يستخدم ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري للنيل من هيبة سلطة سوريا كانت لشهور معدودة “وصية” على الحياة السياسية بحسب تعابير المعارضة اللبنانية السابقة. هكذا تستدرج الشائعات والتلميحات إلى دور سوري في جريمة الاغتيال وفي إنشاء محكمة دولية لمعاقبة ضباط سوريين مساع لفرض عقوبات دولية على دمشق.. الخ. وفي الملف العراقي يدور حديث يومي عن تحول سوريا إلى قاعدة خلفية للمسلحين العابرين الى العراق. وفي الملف الفلسطيني لا يكف الثنائي بوش شارون عن اتهام دمشق بتوفير الملاذ الآمن للجهاد الإسلامي وحماس ومنظمات المقاومة الأخرى ولا يتوقف المحللون في واشنطن وتل أبيب عن اتهام سوريا بتسليح وتدريب حزب الله تارة وفي نشر أخبار مهينة للسلطات السورية بزعم أنها عرضت على “إسرائيل” زيارة القدس على غرار زيارة السادات غير أن تل أبيب رفضت العرض زاعمة أنها لا تريد “إنقاذ” النظام السوري من “انهيار” محتوم.

ولا تقتصر الحملة على السياسة الخارجية السورية بل تتواصل عبر شن هجوم على النظام في الداخل واتهامه بالديكتاتورية والاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان والفساد ودعم الإرهاب و”إدارة الظهر لرياح الديمقراطية التي تهب على المنطقة” على حد تعبير الرئيس جورج بوش، ويتم التركيز على معارضي الحكم في الخارج والتلويح لهم بمصير شبيه بمصير زملائهم العراقيين الذين يتولون وزارات العراق اليوم.

لا تغيب أهداف هذه الحملة عن أوساط الحكم في سوريا وهي تصفها ب “الحرب النفسية”، وتفيد آخر تصريحات الرئيس بشار الأسد على هامش لقائه الأسبوع الماضي وفدا فلسطينيا أن بلاده لن تركع وأنها ستستمر في الدفاع عن سياستها الخارجية وستحافظ على سياستها الداخلية ولن تتراجع خطوة أمام الضغوط الأمريكية.. “لأن واشنطن تطالب بعد ذلك بالتراجع عشر خطوات” على حد تعبيره ما يعني أن أمام المعنيين بالحملة على النظام السوري خيار من اثنين: مواصلة الضغط السياسي الاقتصادي والتشدد الإعلامي لضرب طوق من العزلة المعنوية وربما الاقتصادية على دمشق أو اعتماد الخيار العسكري وبالتالي السعي لتغيير النظام السوري بالقوة على غرار ما حصل في العراق.فأي الخيارين يمكن أن يطيح الحكم السوري؟

لا بد من استبعاد الخيار العسكري بسرعة فائقة لان الولايات المتحدة باتت مكشوفة تماما على الصعيد العسكري سواء لجهة النقص في قواتها اللازمة للسيطرة على العراق وأفغانستان أو لجهة حماية مواطنيها من غضب الطبيعة. وعندما يهمس البعض بخيار الحلف الأطلسي فان الهمس يثير سخرية الخبراء العسكريين الذين يدركون أن الحلف غير قادر على القيام بهذه المهمة إلا إذا أراد احتلال الشرق الأوسط بكامله وشن حرب حضارات فعلية على أهالي المنطقة وهذا أمر جنوني وبعيد تماما عن خطط الحلف. أما الحديث عن القوة “الإسرائيلية” فإنه لا يستحق الذكر لأن من شأن مغامرة عسكرية “إسرائيلية” من هذا النوع أن تخلط أوراق اللعبة في الشرق الأوسط رأسا على عقب، وبالتالي حشر “إسرائيل” في صراع طويل الأمد قد تصبح معه حرب جنوب لبنان “مزحة” بسيطة.

عندما يكون الخيار العسكري ضعيفاً إلى الحد المبين أعلاه يضعف بالضرورة الخيار السياسي الاقتصادي وذلك للأسباب التالية:

أولاً، لأن الأنظمة في العالم العربي لا تسقط على الطريقة الأوكرانية. وثانيا، لأن السوريين المرشحين لهذا الدور في الداخل يرون بأم العين المأساة العراقية ويترقبون المأساة اللبنانية التي تتجمع على نار حامية، فكيف يمكن للمواطن السوري المستاء من نظام الحكم أن يحول استياءه إلى معول لهدم بلده على الطريقة العراقية؟ وكيف يمكن لعرب سوريا أن يثوروا من اجل ان يصبحوا الشعب العربي في سوريا على غرار الشعب العربي في العراق.

وثالثاً الحصار الاقتصادي سيكون ضعيف الأثر على سوريا التي اعتمدت منذ عقود استراتيجية امن غذائي وليست منخرطة حتى النخاع في السوق الدولية ناهيك عن أن حصار العراق لم يطح بالنظام البعثي طيلة 12 عاما ولم يطح بالنظام الكوبي طيلة 40 عاما. ورابعا لأن الدول العربية بمعظمها لا تريد انهيار سوريا وتركيا لا تحبذ ذلك خوفا من انفلات المسالة الكردية عن نطاق السيطرة ووصولها إلى عقر دار الأتراك أنفسهم وإذا كانت تلك حال الأتراك فما بالك بحال الإيرانيين أصدقاء دمشق. وخامساً لأن الأوروبيين يدركون أن خراب سوريا يؤدي إلى خراب شامل في الشرق الأوسط حيث تتجمع مصالحهم الاستراتيجية وان كانوا يحبذون تغييرا سوريا داخليا بوسائل سلمية تحفظ استقرار هذا البلد وتحجم تدخله في ملفات المنطقة. لهذه الأسباب العقلانية لا يبدو أن النظام السوري مرشحا للسقوط لكن ذلك لا يمنحه بوليصة تأمين إزاء السياسات الدولية الحمقاء وما أكثرها في منطقتنا المنكوبة.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)