تتكرر الأسطوانة المشروخة ذاتها حول دور سوريا في العراق‚ كلما وجدت الولايات المتحدة نفسها في ورطة‚ حدث ذلك في «المثلث السني» وفي «القائم» وأماكن أخرى كثيرة‚ ويحدث الآن في «تلعفر»‚ إذ عندما تكتشف القوات الأميركية أنها عاجزة عن تصفية المقاومة‚ تخرج لائحة الاتهامات من جيبها وتبدأ في إطلاق التهديدات والإنذارات إلى دمشق.

ولعل الدافع الأول وراء تحميل واشنطن السوريين مسؤولية اشتداد المقاومة‚ هو «العمى المخابراتي» الذي جعل الدولة الأعظم تبدو كعملاق فقد صوابه لقلة المعلومات التي يمتلكها عن قوة القاعدة والتنظيمات الأخرى وانتشارها في الأراضي العراقية مقارنة بوفرة في العيون القاعدية المبثوثة في المواقع العسكرية والسياسية الحساسة للقوات متعددة الجنسيات والحكومة والشرطة العراقية.؟

أما الدافع الثاني فيعزى إلى الحاجة الأميركية الماسة لتعليق الفشل الأمني على أقرب وأسهل شماعة‚ فكانت الشماعة السورية.

تتكرر الأسطوانة بكل تفاصيلها ابتداء من مفردات الاتهام الموجه إلى دمشق وانتهاء بمفردات الرد السوري على تلك الاتهامات‚ ورغم أننا لا ندري إن كان السفير الأميركي في بغداد زلماي خليل زاده ووزير الدفاع العراقي سعدون الدليمي‚ والناطق بلسان عبدالعزيز الحكيم‚ قد نسقوا هجماتهم المتزامنة على سوريا قبل أو بعد اكتشافهم أن معظم مقاتلي تلعفر الواقعة على الطريق بين الموصل والحدود السورية فروا إلى القرى المجاورة عبر شبكة أنفاق سرية‚ فإننا ندري أن تلك الاتهامات هي أصدق تعبير عن الإخفاق الأميركي في العراق‚ وندري أيضا أن زاده والدليمي والحكيم‚ وقبلهم بوش ورامسفيلد ورايس ومايرز وأبي زيد وغيرهم لم يقدموا حتى هذه اللحظة دليلا واحدا على ضلوع دمشق في التآمر على الولايات المتحدة وحكومة العراق.

فالسفير الأميركي تحدث عن «نشاط سوري في دعم الإرهاب»‚ كما لو أن دمشق هي القلب النابض للمقاومة العراقية‚ فيها تحاك الخطط ومنها تنطلق العمليات‚ حتى خلناها استعارت دور «هانوي» في تحطيم حكومة سايغون الموالية لواشنطن خلال حرب فيتنام.

لو كان صحيحا ما ادعاه السفير زاده عن تحول مطار دمشق إلى محطة استقبال للشبان القاعديين القادمين من السعودية واليمن وشمال إفريقيا بتذاكر سفر لا تتضمن بطاقات عودة‚ تمهيدا لإرسالهم إلى العراق عبر الحدود‚ لكانت الطائرات الأميركية قد قصفت المطار منذ زمن طويل.

ولو كان الوزير الدليمي البعثي الحزبي السابق قادرا على إثبات ادعائه بأن سوريا تسهل عبور المقاتلين إلى بلاده‚ لما ترددت واشنطن في تشغيل عصاها دون الرجوع إلى أحد.

أما قول أبوبكر الساعدي القيادي في «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية» بزعامة عبدالعزيز الحكيم‚ إن «مشكلة السوريين أنهم يؤمنون بأن مستنقعا دمويا للأميركيين في العراق فيه مصلحة استراتيجية لسوريا» فيمثل أسلوبا خبيثا في إقناع الرأي العام الأميركي بأن دمشق تتحدى واشنطن‚ في الوقت الذي يدرك فيه «الأسوياء» أن جهود سوريا منصبة على إرضاء واشنطن والنجاة من التهديدات والضغوط.

إن مثل هذه المزاعم لا تهدف فقط إلى تغطية العجز عن ضبط الأوضاع في العراق‚ وإنما إلى إثارة الناس وتحريضهم على سوريا لإعداد الأرضية لمعاقبتها من خلال مجلس الأمن أو توجيه ضربة عسكرية لها‚ لتحويل الأنظار عن الأسباب الحقيقية للفشل الأمني في العراق‚ ولإظهار الولايات المتحدة كقوة قادرة على إدارة أزمة الإعصار «كاترينا» ومعضلة العراق وكذلك الملف السوري الذي يبدو أنه احتل في الآونة الأخيرة مكان الملف النووي الإيراني الذي «نام قليلا» على ضوء موازين القوى المتغيرة داخل العراق!

مصادر
الوطن (قطر)