نظرية "اللاعب المحايد" تقدم اليوم مشهدا رائعا لسياسة شرق أوسطية، ظهرت بفعل التراكم العشوائي. فهذا "اللاعب المحايد" موجود داخل الحلبة لكننا لا نعرف بالضبط إلى ماذا يسعى، أو كيف يسير لأنه ينتقل بين الفرقاء بشكل آني وسريع.

وربما تكون هذه النظرية استكمالا لعمليات "الفوضى البناءة المرافقة لـ"المخطط الديمقراطي" القائم اليوم، لأنها تخلط عمليا أوراق السياسة في كل لحظة، فالإرهاب والمقاومة والقتل المجاني ينتقل بين الجميع، كما الاتهامات تنتشر في كل اتجاه، في وقت تشكل فيه التيارات السياسية مساحة مبهمة من جغرافية الوطن، حيث لا نعرف ماذا تملك من طاقة سياسية أو حتى من مشروع متلازم مع ممكناتها.

بالطبع فإن إطلاق مصطلح "النظرية" على "اللاعب المحايد" هو نوع من التجاوز لقدرات التحليل السياسي على الوصول إلى استنتاجات واضحة، لأن وجود "اللاعب المحايد" يعاكس منطقيا قدرتنا على فهم ما يجري أو ما يمكن أن يحدث، ويمحي أي مؤشرات قادرة على فتح آفاق أمام تفكيرنا.

وما يرتسم اليوم من مجال للشك بعد زيارة ميليس إلى دمشق يعبر بوضوح عن وجود هذا اللاعب المحايد بكل تناقضاته. فميلس المحقق الكتوم يتناقض مع كم التسريبات داخل الصحافة، وكأن عمليات الافتراض هي التأسيس لسير التحقيق. و "اللاعب المحايد" هنا قادر وفي تحليل واحد طرح كافة التسريبات التي تتهم وتبرئ نفس الشخص لعدة مرات. وهو أيضا قادر على خلق الإرباك السياسي لحظة زيارة ميلس عبر التزامن بين التحقيق و "عزلة" سورية.

لم تعد مسألة سورية اليوم مع الولايات المتحدة، لأن الموضوع تمت ترجمته شرق أوسطيا من خلال سياسات لا تملك نهاية لآلياتها. ومع هذه الصورة فإننا بالفعل لا نستطيع رؤية جغرافية – سياسية، ولا نستطيع فهم ماهية أي توازن إقليمي، وفي العمق فإن الهدف الحقيقي لأي تحرك سياسي دولي أو داخلي أصبح يتعامل مع كم من التناقضات المتلازمة مع وجود "اللاعب المحايد".

مسألة سورية مع الولايات المتحدة ربما ترتبط بالكثير من السياسات السابقة لدمشق، ونستطيع أيضا الحديث عن الإخفاقات السورية لكننا اليوم نقف في مجال آخر تماما لا علاقة له بقدرة سورية السابقة أو اللاحقة على التعامل مع واشنطن. لأن المشهد الحالي يقدم صورا لقدرة الإدارة الأمريكية على خلق الإرباك عبر "اللاعب المحايد" ... وربما قدرتنا على فرز هذه المسألة بدلا من تجاهلها ووضعها خارج مسألة إدارة الأزمة الحالية.