قال مصدر فرنسي عالي المستوى إن باريس «لا تسعى لإسقاط النظام السوري» لأنها ترى أن مسألة تغيير النظام في دمشق أو في غيرها من العواصم «مسألة داخلية لا يمكن أن تفرض من الخارج». ولا ينفي المصدر المشار اليه أن تكون للولايات المتحدة اهداف أخرى قد يكون بينها التخلص من النظام السوري. ودعا المصدر المشار إليه الذي تحدثت إليه «الشرق الأوسط» أمس القادة السوريين الى «التعامل بجدية مع حالة العزلة التي هم في صدد الانزلاق إليها». و في ما يخص مصير الرئيس اللبناني أميل لحود، قال المصدر إن باريس تعتبر أنه «من اختصاص اللبنانيين ومرهون بما ستخلص إليه لجنة التحقيق الدولية» التي يقودها القاضي الألماني ديتليف ميليس. غير أن فرنسا «لا تتمسك» ببقاء الرئيس لحود إذا ما قرر الذهاب، مما يوحي ضمنا بوجود رغبة برحيله.

وأبدى المصدر الفرنسي المطلع على دقائق الملف اللبناني ـ السوري «دهشته» من طريقة تعاطي المسؤولين السوريين مع المجموعة الدولية، معتبرا أن القادة السوريين «مصابون بالصمم والبكم»، وأن دمشق تعطي الانطباع بأن «الأحداث قد تخطتها وهي بالتالي غير قادرة على اللحاق بها أو صياغة ردود فعل ذات صدقية تجاهها». وتطرح باريس، وفق ما يقوله المصدر الفرنسي، تساؤلات حول ما يدور في دمشق وحول الدور الذي يلعبه الرئيس بشار الأسد. وإزاء التخبط في الردود السورية والتعاطي مع الملف اللبناني والضغوط الأميركية والدولية، يرى المصدر الفرنسي أن هناك ثلاثة احتمالات؛ أولها أن يكون الرئيس السوري «غير ممسك بكل الخيوط» في بلده مما يفسر التخبط والتردد. والاحتمال الثاني أن تكون القيادة السورية ككل «عاجزة عن صياغة سياسة متماسكة تأخذ بالاعتبار التغيرات الحاصلة في محيطها المباشر وإقليميا ودوليا». ويرى المصدر الفرنسي أن الاحتمال الثالث هو أن تكون دمشق «غير قادرة على التخلص من أنماط تصرفها القديمة فتقول شيئا وتتصرف بشكل مغاير وتراهن على الوقت وعلى التغيرات المقبلة». وأشار المصدر الفرنسي الى أن سورية بصدد «خسارة آخر أصدقائها في العالم العربي وفي العالم أجمع، إذ لا أحد يهب للوقوف الى جانبها ولا أحد يتبنى موقفها». وشدد على أن باريس «ستلتزم إزاء دمشق الموقف نفسه الذي التزمته حتى الآن بانتظار أن تنجلي نتائج تحقيق ميليس ولتتبين ما إذا كان التحقيق سيظهر دوراً سورياً على مستويات التحريض او التخطيط أو التنفيذ أو التغطية». أما العنصر الآخر المؤثر في الموقف الفرنسي من دمشق، فيتمثل في التعاطي السوري مع لبنان «لأننا نريد أن نتأكد ان دمشق هضمت التغير في علاقاتها مع بيروت وقررت أن تكون عنصرا إيجابيا في اللعبة السياسية اللبنانية الجديدة» بحيث تدفع أصدقاءها وحلفاءها «للعمل لمصلحة إجماع لبناني جديد».

وعاد المصدر الفرنسي الى التأكيد أن باريس «تلعب ورقة الاعتدال» بدعوتها الولايات المتحدة الى «التريث والحذر» في تعاطيها مع الملف السوري حيث تؤكد باريس أن «المهم ليس تغيير النظام بل أن تغير سورية أنماط تعاطيها مع لبنان ومع الملفات الأخرى الساخنة». غير أنه شكا من ان سورية «لا تعطي باريس الحجج» التي يمكن ان تقوي موقفها إزاء واشنطن، علما أن باريس «لا يمكن أن تتساهل إطلاقا في ما يخص الملف اللبناني ومحاكمة المسؤولين عن اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري وتنفيذ مضمون القرار 1559 حرفيا».

أما بالنسبة للتهديدات الأميركية باستخدام القوة ضد دمشق، فقد استبعد المصدر الفرنسي أن تكون واشنطن بصدد التخطيط لتوجيه ضربة عسكرية ضد سورية بل اعتبر التصريحات الأميركية «جزءا من وسائل الضغط السياسي على دمشق لحملها على التعاطي بشكل مختلف مع الملف العراقي».

وحث المصدر الفرنسي دمشق على تفهم ما هو حاصل في العالم والتعاطي بنحو مختلف مع المتغيرات الإقليمية وعدم الرهان على الفشل الأميركي في العراق.

مصادر
الشرق الأوسط (المملكة المتحدة)