للمرة الثانية في غضون الأعوام الخمسة الماضية يستقبل الرئيس السوري بشار الأسد قادة الفصائل الفلسطينية بشكل جماعي في خطوة "ثقة" قد تكون مفاجئة في ظل الوضع الاستثنائي الذي تعيشه سوريا، خصوصاً أن الرئيس الأسد في استقباله قادة الفصائل (مع غياب مفهوم لجبهة التحرير الفلسطينية لوجود أمينها العام في لبنان) لم يستثنِ أحداً منهم، بما في ذلك السيد خالد مشعل (أبو الوليد) رئيس المكتب السياسي لـ"حركة حماس"، والسيد زياد نخاله (أبو طارق) نائب الأمين العام لـ"حركة الجهاد الاسلامي". واللافت للانتباه أن يجلس السيد مشعل بشكل استثنائي باعتباره رئيساً لوفد الفصائل من موقع الوزن الأساسي لـ"حركة حماس" بين القوى الحاضرة بشخص أمنائها العامين، فجلس اليساريون وأنصاف اليساريين وأشباههم، والقوميون بقيادة مشعل. فكيف نقرأ معطيات اللقاء ورسالته من حيث التوقيت والمضمون؟

في التوقيت، جاء اللقاء قبل ساعات من قدوم ميليس، يحمل مؤشرات مهمة في لحظة عصيبة تستهدف سوريا والنظام بكامله مع تحول مسار التحقيق بشأن اغتيال الشهيد رفيق الحريري من واقعة "جرمية/سياسية" الى "واقعة سياسية" تحمل سمات "التهمة الجوالة " كما تؤكد المصادر السورية والفلسطينية المقربة منها.

ومن حيث المضمون، فغالب الظن، ان اللقاء جاء ليتوج سلسلة من الجهود السورية الهادفة لاعادة فتح "بيكار" العلاقات التاريخية مع الحليف الفلسطيني "التقليدي" مع فقدان دمشق أعداداً من حلفائها السابقين في لبنان، وفي سياق توظيف الدور السوري لترطيب العلاقات الداخلية الفلسطينية/الفلسطينية، والفلسطينية/السورية بعد أن تواترت زيارات الوفود الفلسطينية من رام الله وقطاع غزة الى دمشق طوال الشهرين الماضيين، وبعد زيارة العمل المهمة للرئيس محمود عباس، ولقائه الموسع بحضور الرئيس بشار الأسد في قصر المهاجرين مع جميع القوى، بما في ذلك الطرف المنشق عن حركة فتح بقيادة سعيد موسى (أبو موسى).

فالعاصمة السورية ومصدر القرار فيها، باتا على اقتناع تام بأن اعادة بناء العلاقة التحالفية القائمة على التنسيق السياسي تعطيها مجالاً للحركة في أفق سياسي تحاول واشنطن تضييقه على دمشق. فدمشق في رسالة اللقاء تريد أيضاً القول وبالصوت العالي: نعم لنا حلفاء مؤثرون في المعادلة، لايمكن أن يخرجوا تبايناتهم مع دمشق - في حال حدوثها - مهما بلغت من حدة الى موقع الافتراق أو التنكيل بالسياسة السورية. فالخلافات السابقة طواها الزمن وأمست من الماضي السحيق، والفلسطينيون ليسوا بحاجة لنكء جراح جديدة، فضلاً عن محتوى آخر للرسالة يؤكد بأن العاصمة السورية مازالت قادرة على " الضبط والربط ".

وبالنتيجة، ان التداخل كبير والمساحة المشتركة واسعة، وتتحكم بالعلاقات المشتركة الفلسطينية / السورية، حيث ساد دوماً ما يمكن أن نطلق عليه، وما كان يردده العديد من القادة الفلسطينيين: صفة "الزواج الكاثوليكي المزمن" في العلاقات الفلسطينية / السورية على الرغم من التأرجح في العلاقات المشتركة نتيجة تعقيدات مسار العلاقات الثنائية خلال العقود الماضية، والتداخلات السلبية للعديد من القوى الإقليمية التي لم تكن تريد أن ترى حالة مستقرة في العلاقات الفلسطينية/السورية لأسباب مختلفة، خصوصاً منذ انفجار الصراع بين الحالة الفلسطينية الرسمية ممثلة بحركة "فتح" والقيادة السورية عام 1982.

ان لقاء الأسد مع قادة الفصائل، يأتي بعد مجموع الزيارات الفلسطينية الرسمية الأخيرة لدمشق في ظل المصلحة المشتركة والواقع الجيوإستراتيجي، اللذين كانا دائماً من العوامل الأقوى في توليد عوامل التجاذب بين الطرفين مهما طغت درجة الخلافات، ومازالت العوامل نفسها تقتضي درجة متقدمة من العلاقات الصحية الفلسطينية/السورية في ظل انحدار المسارات التفاوضية والنفق المسدود الذي آلت إليه.

وعليه، فان خطوات إجرائية مقبلة فلسطينية وسورية لابد منها آجلاً أم عاجلاً من أجل إعادة إرساء الخطوط العريضة لمسار العلاقات المشتركة بين الطرفين وتكريس علاقات ندية بعيدة عن المنطق الاستخدامي التكتيكي النفعي الموقت، واستعادة الثقة التي مزقتها التباينات خلال العقدين الأخيرين. وأولى الخطوات الضرورية تتمثل في السعي الجاد والمخلص من أجل إيجاد الحلول المنطقية لبعض القضايا العالقة، ومنها على سبيل المثال مايتعلق بمسألة جواز السفر الفلسطيني والاعتراف السوري به نظراً الى ما يحمله هذا الاعتراف من مؤشر معنوي، ورفع مستوى التمثيل الفلسطيني الى مستوى سفارة، وايجاد الحلول النهائية المتعلقة بممتلكات حركة "فتح".

وفي هذا المجال، وبعيداً عن "ثقافة المكابرة" فان الاقتناع يسود داخل أوساط الفصائل الفلسطينية جميعها وبلا استثناء بأن دمشق باتت واحداً من المعابر والطرق الضرورية للحالة الفلسطينية بشكل عام.

مصادر
النهار (لبنان)