الذاهبون من لبنان إلى حرب مع سوريا، يمكن ان يعودوا قريبا خائبين، والذين يتوقعون تغيير النظام في دمشق يمكن ان يكتشفوا عاجلا أن إزاحة الرئيس إميل لحود من منصبه قد تكون أصعب بكثير من إطاحة الرئيس صدام حسين.

لم تعد الهستيريا السياسية التي تعاني منها بيروت هذه الايام تعكس قراءة مغلوطة للموقف الدولي من سوريا، بل باتت تدل على خلل في الصحة العقلية للكثير من المسؤولين والسياسيين اللبنانيين، الذين يبنون حساباتهم على اساس ان النظام السوري الى زوال، ويحددون اتجاهاتهم على اساس ان واشنطن ومعها باريس قررتا نقل بشارة الديموقراطية الى الشعب السوري الشقيق.

في مختلف المجالس واللقاءات اللبنانية، تجاوزت الاحاديث و<<المعلومات>> فكرة حتمية سقوط النظام السوري، لتنتقل مؤخرا الى تحديد مواعيد ثابتة وأكيدة لذلك السقوط، تتراوح بين نهاية العام الحالي، وبين ربيع العام المقبل على ابعد تقدير.
لم يعد أحد في بيروت يقبل النقاش حول مغزى الكلام الهادئ الذي ورد قبل اسبوعين في خطاب الرئيس الفرنسي جاك شيراك (وهو رأس حربة موجهة الى النظام السوري) امام مؤتمر السفراء الفرنسيين في باريس عن حاجة سوريا الى اعادة تأسيس علاقاتها مع لبنان، بما يوحي بأنه يدعو دمشق الى فتح صفحة جديدة تطوي صفحات الماضي البائسة.
ولا يرضى احد تفسير بيان السفير الاميركي لدى العراق زلماي خليل زادة قبل ايام عن ان صبر واشنطن ينفد مع دمشق وعن ان كل الخيارات مطروحة تجاهها، الا باعتباره إعلان حرب صارت وشيكة لن تنتهي الا بإطاحة النظام السوري، برغم انه اوضح ان بلاده تعتبر ان على سوريا ان تقرر.. في الوقت الذي كان الرئيس السوري بشار الاسد يستقبل علنا قادة الفصائل الفلسطينية المعارضة في دمشق.
ولن يعترف احد بأن تصريح الرئيس الاميركي جورج بوش أول أمس في اعقاب لقائه الرئيس العراقي جلال الطالباني في البيت الابيض يسبب الاحباط، لانه يكرر مرة اخرى على مسامع العالم، ويكاد يخص اللبنانيين بالذات، ان هدف واشنطن هو تغيير سلوك سوريا في العراق، وليس تغيير نظامها.. وإلا فإنها ستتعرض للمزيد من العزلة الدولية، التي لم تغادرها دمشق إلا نادرا وفي حالات استثنائية خاصة جدا!

برغم الكثير من تجارب الماضي، فإن بيروت تعيش الآن ذلك الوهم الذي ينكر ان ما يجري بين واشنطن وباريس من جهة وبين دمشق من جهة اخرى هو عبارة عن مساومات اللحظة الاخيرة، قبل التوصل الى الصفقة النهائية حول تجديد النظام السوري.. التي قد تتطلب توسيع العقوبات الدولية المفروضة على سوريا من اجل انجاز المهمة بسرعة اكبر مما جرى مع ليبيا مثلا.

مصادر
السفير (لبنان)