هناك قرار يتعلق بسوريا يجري الاعداد له في مجلس الامن وتحديدا من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وربما دول اوروبية اخرى، يقول متابعون اميركيون عن قرب الموضوع السوري وتشعباته اللبنانية والاقليمية داخل الادارة الاميركية. وكان يفترض ان يكون صدر قبل مدة. لكن معدّيه والداعين اليه ارتأوا بعد مشاورات واسعة إرجاءه الى اواخر السنة الجارية او على ابعد تقدير الى اوائل السنة المقبلة. والدافع الى ذلك كان في الدرجة الاولى ضرورة انتظار انهاء لجنة التحقيق الدولية في قتل الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري عملها واصدارها تقريرا شاملا عن ذلك. والدافع الاخر قد يكون انتظار ان يتحول الاشتباه في دور سوري ما في القتل المذكور حقيقة واقعة استنادا الى ادلة صلبة ومعلومات موثقة. اما الدافع الاخير فقد يكون متابعة مواقف سوريا السلبية حتى الان من الموضوعات التي تهم اميركا والمجتمع الدولي وفي مقدمها العراق والقرار 1559 وابرز بنوده سلاح "حزب الله".

هل سيفرض القرار الدولي المرتقب والمشار اليه اعلاه عقوبات على سوريا؟ لا يستبعد المتابعون انفسهم ذلك، بل يرجحونه، لكنهم يلفتون الى ان الاميركيين والاوروبيين لم يتفقوا حتى الآن على نوعية هذه العقوبات والى ان بعضا من الخلاف حولها قائم بينهم. فالاوروبيون يريدون عقوبات سياسية على سوريا مثل خفض مستوى التمثيل الديبلوماسي او سحب هذا التمثيل فضلا عن خطوات اخرى. في حين ان الاميركيين يريدون عقوبات اقتصادية لانها اكثر ضررا وتاليا الاكثر قدرة على "اقناع" سوريا وقيادتها السياسية بتغيير مواقفها او تعديلها. طبعا يرجح المتابعون اياهم ان يتفق الفريقان على موضوع العقوبات ويرجحون ايضا ان تتخلى اميركا عن فكرة العقوبات الاقتصادية لان اذاها لن يقتصر على النظام السوري فحسب بل سيشمل اليه الشعب في سوريا وكذلك لبنان، وذلك ليس الهدف المطلوب تحقيقه.

كيف يرى الاميركيون موضوع "حزب الله" وسلاحه الذي دعا قرار مجلس الامن الرقم 1559 الى نزعه في ايلول الماضي؟

تقول جهات لبنانية عدة ذات انتماءات سياسية بعضها متقارب وبعضها الاخر متباين وبعضها الثالث متناقض، استنادا الى متعاطي الشأن العام في اميركا من مسؤولين ومسؤولين سابقين وباحثين، ان الانسحاب الاسرائيلي من لبنان ربيع عام 2000 لم يحرر كل الاراضي اللبنانية التي كانت محتلة، اذ لا تزال مزارع شبعا محتلة. وتقول ايضا ان هناك اسرى لبنانيين لا يزالون في السجون الاسرائيلية. وتقول اخيرا ان سلاح "حزب الله" هو ضمان لعدم اقدام اسرائيل على الاعتداء مرة جديدة على لبنان تلافيا لرد فعل عنيف هي التي لا تزال تتحرش به يوميا من خلال اختراق مجاله الجوي. قد يكون عند متعاطي الشأن العام الاميركي هؤلاء اقتناع او على الاقل اعتقاد بان هذه الامور المعلنة ليست اسباب تمسك "حزب الله" بسلاحه ودوره الخارج عن الدولة وبان هناك "اجندة" اخرى له او روزنامة اوسع بكثير من ذلك. لكنهم يفرضون على انفسهم قبول الاسباب المعلنة ويؤكدون ان ازالتها امر ممكن رغم الصعوبات والعقبات المعروفة. بل انهم يشيرون الى اتصالات عميقة عدة اجرتها ولا تزال تجريها الامم المتحدة عبر ممثل امينها العام تيري رود لارسن مع كل الجهات المعنية بالموضوع وفي مقدمها اسرائيل والى ان نتائجها لم تكن سلبية على الاطلاق، اذ ابدت اسرائيل استعدادا مبدئيا لحل مسألة مزارع شبعا وتاليا لاطلاق المعتقلين اللبنانيين في سجونها. لكنها طلبت في مقابل ذلك تحديد مساحة المزارع التي يطالب بها لبنان او "يدعي" ملكيتها وان يثبت لبنانيتها باي طريقة ممكنة. وطلبت ايضا ارسال الجيش او الجيش وقوى الامن الى الجنوب حتى "الخط الازرق" على الحدود مع اسرائيل وتولي الدولة اللبنانية بواسطته السلطة والسيادة في هذه المنطقة. وطلبت ثالثا ابطال او تعطيل او تحييد (Neutralising) سلاح "حزب الله" وتحوله حزبا سياسيا لبنانيا بالكامل. وطلبت رابعا تخلي الحزب المذكور عن استراتيجيته الواسعة اي الاقليمية ذات البعدين السوري والايراني والتي تشكل فلسطين وقضيتها والقدس احد اكثر الاعمدة اساسية فيها. اما في موضوع ضمان عدم اعتداء اسرائيل على لبنان عسكريا او بخرق الاجواء فان الشرعية الدولية تتكفل بذلك في حال تجاوب "الحزب" ومعها اميركا واوروبا وغيرهما.

هل يستجيب "حزب الله" لكل الطلبات المذكورة في مقابل انسحاب اسرائيل من مزارع شبعا ؟

لا يعرف متعاطو الشأن العام الاميركي انفسهم اذا كان "حزب الله" سيستجيب او لا. واسباب ذلك كثيرة منها غموض "اجندته" اي روزنامته في رأيهم وتنوعها وتوسعها. ومنها خبرته العميقة في السياسة كما في القتال التي تجعله لا يسلم اوراقه منذ بداية الكلام او التفاوض مباشرا كان او غير مباشر والتي تدفعه الى محاولة تحقيق الحد الاقصى من مطالبه او المحافظة على ما يمكن من مواقعه قبل التوصل الى تفاهم، علما انه لا يتجه صوب التفاهم اذا كان واثقا من امكان استمراره في نهجه الحالي. ومنها عدم اقتناعه ربما بانه وحلفاءه وتحديدا الاقليميين منهم قد بلغوا مرحلة تفرض عليهم التجاوب او الاستجابة تلافيا لما هو اشد وادهى، وبان الوضع الاميركي لم يستتب حتى الان في العراق وقد لا يستتب في مناطق عربية اخرى، وبان اسرائيل القوية لن تغامر في الاعتداء على لبنان او على ضرب المقاومة فيه في ظل "التورط" والتعثر الاميركيين في المنطقة وفي ظل ترسانته العسكرية الكبيرة وخبرته القتالية الواسعة اللتين شكلتا توازنا معها في شكل من الاشكال باعتراف الجميع اعداء وانصار او مؤيدين.

كيف يمكن الضغط على "حزب الله" للتجاوب مع او الاستجابة للمساعي الدولية الهادفة الى "استكمال" تحرير الاراضي اللبنانية التي لا تزال محتلة (مزارع شبعا) والى تحقيق مطالب اخرى في نظر متعاطي الشأن العام الاميركيين من مسؤولين حاليين وآخرين سابقين وباحثين؟

مصادر
النهار (لبنان)