عندما نهرب من مقاربات الماضي فإن الدهشة ستتداخل مع مصطلح "العزلة" الذي يرتسم اليوم وكانه الأفق الأخير لما تريده الإدارة الأمريكية. لكن هذه العزلة التي بدأت ملامحها منذ مغادرة السفيرة الأمريكية دمشق هي في النهاية شكل مختلط لا يهدف فقط للضغط على النظام السوري، بل أيضا صياغة المعادلة السياسية بشكل يتوافق مع إشارات الاستفهام المطروحة كل يوم تجاه المنطقة إجمالا.

"العزلة" التي طرحها جورج بوش مؤخرا لا يمكن فصلها مع ما قالته كوندليزا رايس بشأن الخيارات المفتوحة تجاه سورية، فالنظر إلى جغرافية "معزولة" ربما لا يتوافق مع الطروحات العلنية للإدارة الأمريكية بشأن الشرق الأوسط الكبير، لكنه يتكامل مع الرسم "العراقي" الذي يعبر عن مساحة مبهمة من التصادم وسط إنجاز لـ"الدستور". فما يجمع شرقي المتوسط هو عمليات "الشك" و "التوتر" وانعدام "الخيار" و "التحقيق"... وربما هذا هو المقصود بالعزلة.

عمليا فإن الإدارة الأمريكية "هشمت" الأدوار الإقليمية بعد أن أصبح خيارها العسكري في العراق واقعا يوميا. فالعزلة السياسية اليوم لا معنى لها طالما أن الولايات المتحدة تجاوزت "الشريك" لتصبح آلياتها "فوق سياسية".

مساحة المعقول في استراتيجية "العزلة" موجودة اليوم في التكوين الإقليمي الذي نسف أي مرجعية سياسية، وجعل الحدث العام مرتبط بواقع افتراضي يتحدث عن الخلايا الإرهابية أو عمليات أبو مصعب الزرقاوي أو حتى خلافات الدستور وسط مرجعيات قبلية ودينية.

ومساحة المعقول اختلطت بـ"العالم الافتراضي" الذي يرسمه الإعلام والتقارير، لتصبح السياسية تكوينا مجهول الملامح والاتجاهات، بحيث تسقط أي هيبة اعتبارية داخل المنطقة باستثناء "هيبة المجهول" ... فميلس قبل استكمال تحقيقه يحصد الأسماء في الصحف، ويتم استكمال التحقيق افتراضيا عبر سيناريوهات مهما كانت طبيعتها فإنها تتمة لمشهد "العزلة".

"العزلة" ضمن الخيارات المفتوحة التي تتحدث عنها الإدارة الأمريكية تتجاوز السياسي، أو الواقع الذي يتم رسمه، لأنها تدمير حقيقي لبنية المجتمع قبل أن تكون تدمير للنظام السياسي. و"العزلة" ليست ضد "النظام السوري" إنها أيضا ضد "جغرافية مستحيلة". فالصفقات السياسية ربما انتهت مع هذا المفهوم .. وربما بات ضروريا النظر إلى التحديد الذي نريده من المستقبل حتى نكسر "العزلة" ....