يقول جوشوا لاندس، أستاذ الدراسات الشرق أوسطية من جامعة أوكلاهوما، إن بشار الأسد كان ليشكل الرئيس السوري الأول منذ 40 عاماً الذي يزور الولايات المتحدة، لو أنه شارك في قمة الأمم المتحدة المنعقدة في نيويورك كما كان مقرراً. وكان الأمر ليشكل فرصة للبلدين اللذين يشهدان توتراً في العلاقات. وعوض ذلك، أخّرت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس تأشيرة دخوله وأقصته عن اجتماع وزراء الخارجية لمناقشة موضوع لبنان وسورية، وأرسلت محققاً من الأمم المتحدة إلى دمشق في الوقت عينه. الأمر الذي دفع الرئيس الأسد إلى إلغاء مشاريعه.

ويصب سلوك رايس في إطار الهدف الذي رسمه مسؤولو إدارة بوش لسورية وهو "مواصلة السعي لعزلها". كثيرون في واشنطن يصرون على ضرورة أن تخطو سورية نحو "عدم الاستقرار المثمر" الذي يؤدي إلى المزيد من الديمقراطية في المنطقة والمزيد من الاستقرار في العراق. لكن هذا وهم خطر سيؤذي المصالح الأميركية.

لا شك في أن النظام السوري ليس مثالا للديمقراطية، لكن ألدّ أعدائه هنا لا يرغبون في سقوطه. ومرد ذلك إلى أن الثقافة غير الديمقراطية متغلغلة في المجتمع، في ظل اعتراف مجموعات المعارضة الليبيرالية السورية بعدم استعدادها للحكم. ورغم ترحيبها بالضغط الأميركي، هي تخشى الخلافات الدينية والاثنية التي قد تقسم البلاد.

بيد أنه يبدو أن واشنطن تتبع سياسة تغيير في النظام السوري لا تكلفها الكثير. وكانت خفضت النمو الاقتصادي لسورية عن طريق وقف تصدير النفط العراقي عبر خطوط النفط السورية، وفرضت عقوبات اقتصادية صارمة وجمدت الاتفاقيات الأوروبية التجارية. كما أن التقارير عن تصميم أميركا على قصف سورية وتجميد العمليات التجارية أبعدت المستثمرين. وهذا الأسبوع سيبدأ محققو الأمم المتحدة استجواب كبار المسؤولين في دمشق بشأن قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في لبنان، وهو ملف يتوقع كثيرون أن تحمله الولايات المتحدة إلى مجلس الأمن. والسياسيون ورجال الأعمال على حد سواء مقتنعون بأن واشنطن تريد إسقاط النظام وليس الاكتفاء بتغيير شكله.

لكن أمام الدولتين أموراً كثيرة يتناقشون فيها: كلاهما يحاول حل المعضلة العراقية، ولهما مصلحة مشتركة في وقف الجهاد ومساعدة العراق على بناء استقراره. لكن عوض مساعدة سورية على مساعدة الولايات المتحدة، تفضل واشنطن إصدار الأوامر. وتتصور إدارة بوش أنه سيكون من السهل على الأسد اتخاذ التدابير الصارمة بحق السنة السوريين الذين يقدمون الدعم لمعظم المقاتلين العرب الذين يتسللون عبر سورية إلى العراق.

لكن هذه التقديرات مغلوطة إذ ان المسألة مكلفة للأسد. فالسنة العرب يشكلون 65 في المائة من الشعب وإرضاؤهم أساسي بالنسبة إلى الرئيس السوري.

وكانت سورية قامت بالخطوات السهلة. فقد أقامت ستاراً رملياً ونشرت آلاف الفرق على طول الحدود البالغة 350 ميلاً مع العراق. والدبلوماسيون الأجانب يدحضون الادعاءات بأن الحكومة السورية تساعد على تسلل الجهاديين. بمطلق الأحوال، لم تتخذ سورية الاجراءات الداخلية الصعبة المطلوبة لردع وصول الجهاديين إلى الحدود، كما لم تدعم علناً الغزو الأميركي للعراق.

كذلك، ليس الأسد جاهزاً لإجراء تغييرات جذرية في النظام. لكنه بذل جهداً كبيراً لتصحيح العلاقات الطائفية في سورية وأطلق سراح بعض السجناء السياسيين، وسمح بهامش أكبر من الانتقاد. كما أن التعايش الطائفي الذي عززته الحكومة جعل سورية من أكثر البلاد أمناً في المنطقة. وواشنطن تطلب من الأسد تهديد أمنه الداخلي...

والأسوأ من ذلك، إن تداعي الحكومة السورية، في حال تم، سيؤدي إلى تبوؤ السنة الحكم وهم قد يساعدون الجهاديين في العراق. والأسد ينتمي إلى الأقلية العلوية التي خاضت معركة مهلكة ضد المتطرفين السنة في الثمانينات. ولكي يدعم الأسد واشنطن، عليه أن يحصل على الدعم الكافي من واشنطن للضغط على الأكثرية السنية. وستكون مواجهة السنة والمتطرفين أشبه بالانتحار بالنسبة إليه في حين أن واشنطن تسعى إلى أذيته.

من يصر في واشنطن على محاربة الأسد لعدم ديمقراطيته يقوّض فرص العراق في الحصول على مستقبل سلمي. والولايات المتحدة تحتاج إلى التعاون السوري في العراق. ويتطلب هذا حواراً ودعماً فعليين وليس الازدراء والتهديد. وعلى واشنطن أن تختار بين زعزعة استقرار سورية وبين إرساء الاستقرار في العراق.

مصادر
نيويورك تايمز (نيويورك)