التزام "حزب الله" اللبناني قضية فلسطين يعرفه جيدا المسؤولون الاميركيون استنادا الى عدد من متعاطي الشأن العام في واشنطن. وترجمة هذا الالتزام عمليا سواء عبر تقديم الدعم الاعلامي والسياسي لـ"المجاهدين" الفلسطينيين والخبرة القتالية التي اثبتت نجاحها في لبنان ربيع عام 2000 يعرفه ايضا المسؤولون الاميركيون اياهم. لكنهم يعرفون في الوقت نفسه ان دور الحزب المذكور في ضبط "الساحة الفلسطينية" في لبنان او بالاحرى في منعها من الانفلاش على النحو الذي كان سائدا بين عامي 1975 وربما قبله و1982 والاعوام التي تلته لم يكن قليلا على الاطلاق، ذلك انه كان العين الساهرة على الوضع الفلسطيني وتحديدا في جنوب لبنان التي حالت دون مبادرة الفلسطينيين وخصوصا الذين منهم يحملون توجيهات اسلامية جهادية واخرى قومية متشددة الى الاشتراك معه في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي لتلك المنطقة وتاليا حالت دون اعطاء اسرائيل الذرائع التي تمكّنها من استهداف لبنان على نحو واسع ومعه المقاومة اللبنانية والفلسطينيين والسوريين الموجودين على ارضه. وقيام "حزب الله" بالدور المشار اليه كان عن اقتناع اولا ً بأن توسيع "بيكار" نشاطه العسكري بحيث يشمل القضية الفلسطينية كلاً لا بد من ان يضعف مشروعية مقاومته الوطنية الاسلامية اللبنانية. وعن اقتناع ثانياً بأن دخول الفلسطينيين على خط المقاومة على تنوع انتماءاتهم وتناقضها من شأنه زرع الفوضى من جديد في الجنوب ثم في مناطق لبنانية اخرى الامر الذي يعطل الصراع مع اسرائيل ويفتح الباب امام صراعات في الداخل ليست في مصلحة لبنان. وعن اقتناع ثالثا بأن المصلحة القومية، الى الوطنية، تقتضي عدم توريط سوريا الموجودة في لبنان في حرب عسكرية مباشرة مع اسرائيل يعرف الجميع نتائجها بسبب عدم توازن القوى. وقيامه بالدور نفسه كان تبعا لذلك كله نتيجة استراتيجيا متفق عليها بين الحزب و"السلطة اللبنانية" وراعيها الاقليمي سوريا وكذلك حليفها الايراني.

الى ذلك كله يعرف المسؤولون الاميركيون، وخصوصاً من خلال اتصالاتهم مع اطراف لبنانيين وعرب ودائما استنادا الى متعاطي الشأن العام انفسهم في واشنطن، ان "حزب الله" ومعه جهات لبنانية بعضها رسمي لن يتجاوب مع تنفيذ البند المتعلق به في القرار الدولي 1559 اي نزع سلاحه قبل حل مشكلة السلاح الفلسطيني في لبنان. واسباب هذا الموقف كثيرة بعضها الخوف الفعلي عند "الحزب" وعند معظم اللبنانيين من توطين اللاجئين الفلسطينيين الى لبنان فيه باعتباره حلا "سهلا" لمشكلة بالغة التعقيد. وفي غياب مقاتلي الحزب وترسانتهم العسكرية الكبيرة وفي ظل عدد من تناقضات الداخل اللبناني فان السلاح الفلسطيني المتوافر حاليا يمكن ان يفتح الطريق امام التوطين وان تحت لافتات تدّعي رفضه والعودة الى النضال من جديد من خلال الاراضي اللبنانية.

طبعا يعرف هؤلاء المسؤولون ايضا ان التذرع بالسلاح الفلسطيني قد يكون سببا لاحتفاظ "حزب الله" بسلاحه. ويعرف ان التعاون والتنسيق القائمين بين اصحاب السلاحين وحَمَلتهما من شأنه توفير ظروف استمرارهما، انطلاقا من ذلك يعتقد قسم من هؤلاء المسؤولين ان الافضلية يجب ان تعطى ربما لنزع السلاح الفلسطيني قبل سلاح "حزب الله" وخصوصا بعدما تحولت المخيمات الفلسطينية في الجنوب جزرا امنية تضم التنظيمات المعتدلة والاخرى الراديكالية وملجأ لعدد من الفارين من وجه العدالة ومن اصحاب" التوجهات الارهابية" في نظر العالم "والجهادية" في نظر اخرين. علما ان حال المخيمات الواقعة خارج الجنوب لا يختلف كثيرا وخصوصا بعدما انسحبت سوريا من لبنان الامر الذي خفف تأثيرها على الموجودين فيها وقلص امكان ضبطها لها وافسح لها مع غيرها في الوقت نفسه في المجال لاستعمالها لمواجهة ما تتعرض له في لبنان سواء من اللبنانيين او من المجتمع الدولي. ويعتقد القسم نفسه من المسؤولين الاميركيين ان التذرع بعدم امتلاك الفلسطينيين سلاحا ثقيلا في لبنان ليس في محله كثيرا، فهو غير موجود في المخيمات، لكنه موجود خارجها وفي منطقتين على الاقل واحدة في جبل لبنان واخرى في البقاع، هي باشراف فريق فلسطيني متحالف مع سوريا على السراء والضراء كما يقال. مع الاشارة هنا الى ان السلاح المتوسط ليس غائبا ايضا عن الساحة الفلسطينية رغم الاختلاف بين الفلسطينيين وجهات لبنانية ودولية عدة حول مواصفات كل من السلاح المتوسط والسلاح الخفيف، ومع الاشارة ايضا الى ان السلاح الخفيف قادر على الخربطة امنيا في حال استمراره، وفي حال استغل اصحابه او من يقودهم من داخل او من خارج ظروفا غير مستقرة قد تستجد في لبنان.

الا ان هناك قسما اخر من المسؤولين الاميركيين ودائما استنادا الى المتابعين انفسهم في واشنطن يعتقد ان "حزب الله" بترسانته العسكرية الضخمة وبايديولوجيته الدينية الجذرية وبتحالفاته الاقليمية المعروفة يشكل خطرا على لبنان الجديد المستقر والمستعيد استقلاله اكثر من الفلسطينيين في لبنان، فاللبنانيون صاروا مجمعين على رفض التوطين. ونجاحهم في بناء دولة حقيقية ومؤسسات سياسية وامنية مستقرة يمكنهم من معالجة الوجود الفلسطيني على ارضهم ريثما يحين اوان حل مشكلة اللاجئين بطريقتين. الاولى، تحسين الظروف الاجتماعية لهؤلاء المقيمين في لبنان. وثانيا، مواجهة الخروقات الفلسطينية بالحزم اللبناني الكامل سياسيا وامنيا. اما في الخارج فان المرجعيات الفلسطينية الاساسية وفي مقدمها منظمة التحرير والسلطة الوطنية لن تدفع في اتجاه تعقيد الامور في لبنان عليه وعلى الفلسطينيين. فضلا عن ان العرب والمجتمع الدولي لن يسمحوا بتحول الوجود الفلسطيني في لبنان مشكلة له وفيه مرة ثانية. لذلك كله يفضل القسم المشار اليه اعلاه البدء بنزع سلاح "حزب الله".

هل من قرارات نهائية حيال هذا الموضوع في واشنطن؟

البحث مستمر فيه وفي قضايا اخرى لبنانية واقليمية، لكن لا قرارات نهائية بعد، علما ان التزامن في تطبيق البند المتعلق بنزع سلاح "الميليشيات" في القرار 1559 ربما يحظى بنوع من التأييد من دوائر عدة.

هل من جديد في واشنطن عن اسرائيل والعراق وايران؟

مصادر
النهار (لبنان)