أصبحت سوريا محاطة بالمشاكل من اليمين ومن اليسار، من لبنان والعراق بينما تعاني الولايات المتحدة من مشاكلها داخلها العراق. ومع ذلك، يبدو أن دمشق وواشنطن ما زالتا تهدفان لتصعيد الحرب الكلامية بينهما بدلا من أن تسعيا للعمل معا على إنهاء تلك الحرب التي لا تبدو أنها في طور الخمود داخل العراق والتي ظلت تلحق الأذى بهما معا.

لم تكن الأمور دائما بينهما هكذا، فوالدا الرئيسين جورج بوش وبشار الأسد كانا حليفين خلال حرب الخليج الثانية، وكم سيكون أفضل لبوش أن يلتقي بالأسد خلال هذا الأسبوع في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بدلا من التأكيد على أن الرئيس السوري سيزجر من قبله. كان ممكنا أن يكون لقاء من هذا النوع دفعة قوية لكلا البلدين، بعيدا عن المواجهة الساخنة بينهما خلال الأشهر الأخيرة القليلة، من أجل أن يطرقا بابا لتهدئة الأجواء في العراق وهذا سيكون لصالحهما معا.

حث السيناتور جوزيف بايدن عبر صفحات واشنطن بوست الإدارة الأميركية لتطوير «استراتيجية إقليمية تقوم إما بإجبار جيران العراق على العمل بطريقة مسؤولة تجاهه أو إغرائهم على ذلك. وفي بعض الحالات سيتطلب أن تشترك الإدارة الأميركية في العمل مع أنظمة تفضل عدم التعاون معها».

لم يتم إنجاز قدر مهم في العراق خلال الفترة الأخيرة، لذلك أؤيد السيناتور بايدن الذي يرى أن تغييرا في الأسلوب خصوصا ما يتعلق بسوريا سيعطي نتائج أفضل، بمعنى أن تقليل التهديد وزيادة الحديث عن تعاون قد يعطي نتائج أفضل.

ذلك لا يعني أن للولايات المتحدة عددا كبيرا من الأصدقاء مصطفون لمساعدتها في العراق. فأصدقاء أميركا العرب في المنطقة ينتمون إلى بلدان ذات أغلبية سنية، تشعر بالألم لفقدان الموقع المتميز للعرب السنة في العراق، مع احتلال الشيعة والأكراد موقع الصدارة في الحكم. وفي المقابل فسوريا تفهم التركيب الطائفي والاثني المعقد للعراق، فالجيش السوري على سبيل المثال يتكون من سنة وشيعة وهذا المزيج غير متوفر في المنطقة.

حينما زرت دمشق في بداية هذا الصيف أكد لي أنصار ومعارضو نظام الأسد انهم لا يريدون أن تتكرر تجربة العراق الدموية في سوريا. بل حتى أكثر المنتقدين لنظام الأسد يريدون تحقق إصلاح يجري على غير «الطريقة العراقية»، فيما يعتبر التركيب الطائفي والاثني لسوريا متشابها مع وضع العراق قبل الحرب، على الرغم من انقلاب الوضع في البلدين رأسا على عقب. ففي عراق ما قبل الحرب كانت الأقلية العربية السنية هي موقع الهيمنة للحكم على حساب الأكثرية المتمثلة بالشيعة والأكراد. بينما الوضع في سوريا هو عكس ذلك. فالأسد هو من الطائفة العلوية التي تعتبر طائفة تنتمي إلى الإسلام الشيعي، وهي تهيمن على الحكم في بلد ذي أغلبية سنية ولديه أيضا أقلية كردية مهمة عدديا.

يستطيع الزعيم السوري الذي تزوج سنية، والذي يسعى إلى إرضاء السنة في بلده من خلال منحهم مناصب وظيفية عالية في حكومته، أن يساعد فيما يخص العراق.

وإذا كان الأسد يتساهل مع المقاتلين السنة الذين يتدفقون من بلده إلى العراق حسبما تزعم إدارة بوش، فإنه يلعب لعبة خطيرة. فآخر ما يحتاج إليه هو فتح طريق داخل سوريا للمتطرفين السنة الذين يستطيعون أن يتحالفوا مع الإسلاميين الذين ما زالوا يتظلمون من تعامل أبيه معهم بطريقة قاسية حين يتذكرون معارك مدينة حماة عام 1982.

ويبدو في بعض الأحيان أن الأسد ليس ضعيفا كما يزعم البعض، وليس قويا كما تصوره الولايات المتحدة. ولكن استخدامه لسيطرته من عدمها على الحدود كرهان مع الأميركيين لعبة خاسرة.ولكن في الوقت نفسه، اذا ما كانت سوريا هي البوابة للناشطين السنة في طريقهم الى العراق بالمزاعم الموجهة اليها، فمعظمهم من دول أخرى في المنطقة، فيما تتلقى تلك الدول في النادر النقد العلني الموجه الى دمشق.

اذا ما ارادت الولايات المتحدة من سوريا المساعدة في العراق فمن المؤكد أن سوريا تحتاج الى تقديم تلك المساعدة. ومن مصلحة سوريا أن تمنع نيران الحريق الطائفي والاثني في العراق من الوصول اليها. وفضلا عن ذلك فان سوريا، التي تتركز عليها الانظار في تحقيق الأمم المتحدة في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، تحتاج الى ان يكون سلوكها على أفضل نحو ممكن.

ويحتاج الأسد، الذي واجه ضغوط الانسحاب أخيرا من لبنان، والغارق في وحل الشكوك في ما يتعلق بمن أمر بالتخلص من الحريري، الى ان يستند الى الأفعال الايجابية. فالموقف الأكثر تعاونا مع الأميركيين يمكن ان يكون اخيرا لصالح الأسد، حتى إذا طهّر بقايا نظام والده بذريعة ان الادارة الأميركية ترغمه على ذلك.

وقد أبلغني محلل سياسي سوري متعاطف مع النظام في الواقع، بمعلومات وافية عندما سألت عما اذا كانت سوريا بحاجة الى ضغط أميركي لإجراء الاصلاح، فقال ان »النشطاء يقولون اننا نحتاج لضغط أميركا لتقليص الاعتقالات والتعذيب في سوريا، ويقول مسؤولون : نعم ان هذا سيكون الورقة في يد الرئيس ضد المتشددين في الداخل للقول بأننا يجب ان نقوم بذلك أو ان نهايتنا ستحل«.

لا أشعر بالاعجاب بالوضع االسوري، فسجله في مجال حقوق الانسان سجل بائس، ولم يترك مجالا واسعا للمعارضين او النشاط المؤيد للاصلاح. ولكن سوريا تتغير. ولم تكن دمشق في يونيو الماضي المدينة التي زرتها عام 1999. فقد سمعت مزيدا من السوريين ينتقدون علنا نظام الأسد. وكسرت المحطات الفضائية والإنترنت العزلة التي كانت تعمل لصالح الأسد الأب، عندما ملأ زنازين السجون اكثر مما فعل ابنه مع الخصوم.

ان مراقبة سوريا وهو ترغم على الخروج من لبنان، وفي أعقاب تحقيق سيحمل المسؤولية لنظام غير معتاد على الاجابة على اية مساءلة، يمكن أن يساعد على تعزيز المعارضة السورية الداخلية.

وبدلا من اقصاء دمشق يتعين على ادارة بوش أن تحاول اشراكها مع الدول العربية التي تدفعها نحو الاصلاح. فالضغط الخارجي سيساعد، بالتأكيد، المجموعة الصغيرة من المعارضين ممن يغامرون بحريتهم من أجل السعي الى سوريا ديمقراطية.

ومن هنا، يتعين على الرئيس الأسد بدلا أن يقف على رأس وزرائه وصحافته الرسمية، ان يبلغ واشنطن بوضوح بأنه يريد مساعدتهم في العراق، فيما يمكن لواشنطن ودمشق ان يساعدا بعضهما البعض على حل المشاكل.

مصادر
الشرق الأوسط (المملكة المتحدة)