لا نريد اعتماد المثل الإنكليزي الشهير "No news Good news" لأن مسألة ميلس ونزاهته تشكل موضوعا منفصلا عن المستقبل السوري، حتى ولو تم تسييس التحقيق. فالموضوع السوري اليوم يسير بغض النظر عن التحقيق، لكنه ينتظر أيضا ما سيقدمه ميلس لدعم استراتيجية واضحة في تبديل منطقة الشرق الأوسط.

وسواء تسربت أنباء حول ما يقوم به ميلس، أو بقي التكتم - وهو أمر مشكوك فيه - سيد الموقف، فإن الاستحقاق السوري بلغ ذروته اليوم بعد أن أصبحت الولايات المتحدة منغمسة في كل التفاصيل الخاصة بالحركة الشرق أوسطية.

وإذا كان الوضع قلقا اليوم فإنه في نفس الوقت يقدم بوابة عبور لقراءة تجربة أمريكية بدأت باحتلال العراق، لكنها تسير اليوم نحو احتكار خاص لعمليات التحول في العالم. فالولايات المتحدة رغم كم الانتقادات الموجهة إليها نجحت في رسم العالم داخل أذهاننا على خلفية محاور جديدة، ووفق شكل أسير البيت الأبيض وما يريده.

والنجاح الأمريكي يخلق الإرباك فقط، لأن السعي الأمريكي لرسم خارطة العالم مازال في بدايته. وهو لا يسير على وتيرة واحدة لكنه يملك "فزاعة" ثقافية بالدرجة الأولى. وهو أيضا مسلح بتجربة خطرة في العراق، لكنه في نفس الوقت لا يحدد الخيارات بل يتركها تسير بشكل تلقائي، وكأن تداعيات "الديمنو" عادت من جديد، لتذكرنا بصورة مأساوية لانهيار الأنظمة والحكومات.

هذه الصورة المرعبة هي "فزاعة" باتت معروفة اليوم، وربما تستدعي تصحيح "خداع البصر" ... لأن الخوف هو وليد ذاتنا، أو عدم قدرتنا على إنتاج ما يمكن أن يجعل "الفزاعة" حالة افتراضية فقط.

تحقيق "ميلس" لم يعد مهما في تقرير مصير المنطقة لأن "التخويف" متوفر مهما حاولنا الابتعاد عنه، وربما كانت الولايات المتحدة تقدم مطالب تتزايد تلقائيا لكن "الاسترخاء" الذي نواجه به عمليات "التخويف" على المستويين الاجتماعي والسياسي بات مقلقا.

"الاسترخاء" لا تعبر عنه عمليات التحفيز الإعلامي فقط، أو تبيان الحقائق، لأن المطلوب اليوم عصبية حقيقية لوطن يتعرض "لإرهاب" إعلامي ... ويتعرض أيضا لأكبر عملية تجاهل للذاكرة ... و"الاسترخاء" يشكل نقيضا صارخا لسير الحدث لأن المسألة اليوم ليس تحقيق ميلس أو هزيمة الولايات المتحدة في العراق ... بل هو قدرتنا في خلق انتصار على ذاتنا وتشكيل هذه العصبية القادرة على رسم المستقبل بدلا من الغوص في "الفزاعة".....

مصادر
سورية الغد (دمشق)