لم يثر اجتماع «مجموعة الدعم التأسيسية الدولية» للبنان الذي انعقد، اول من امس، في نيويورك ما يكفي من الاصداء الداخلية والمحلية بعد لتكوين صورة شاملة وموضوعية عما تركه من انطباعات وانعكاسات سياسية, لكن ذلك لم يقلل من اهمية هذا المؤتمر التحضيري لعقد مؤتمر كبير وشامل للدول الغربية والعربية والمنظمات المالية الدولية في بيروت قبل نهاية السنة مما تعود معه «روح» باريس ـ 2 ولو بوسائل واساليب مختلفة.

ذلك ان اختيار مكان انعقاد مؤتمر الدول المانحة في بيروت هذه المرة وموعد ما بين نهاية نوفمبر ومنتصف يناير يحملان دلالة سياسية قوية الى ان المجتمع الدولي ينتظر بنفاد صبر انتهاء التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري كمؤشر نهائي وحاسم على نهاية حقبة وبداية حقبة اخرى مختلفة جذرياً يمكن معها الانطلاق فعلاً هذه المرة بدعم «دولة جديدة» في لبنان وسط ظروف جديدة كلياً.
لذلك شكل اجتماع نيويورك بحق اقوى رسالة دولية منذ صدور القرار 1595 المتعلق بتشكيل لجنة التحقيق الدولية حيال مضي المجتمع الدولي في تشكيل مظلة حماية للتحولات اللبنانية كنموذج يراد له ان يتعمم في الشرق الاوسط، ولم يخف هذا البعد في كلمات المسؤولين الدوليين والاوروبيين والاميركيين والعرب الذين شاركوا في الاجتماع.

على ان هذه الوجهة الايجابية من المؤتمر التحضيري لمؤتمر الدول المانحة لم يسقط بدوره الجانب الصراعي الحاد الذي غلف «المضمون الاقليمي» للمؤتمر، وهو جانب تولت كشفه بوضوح ومن دون مواربة وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس التي كانت وراء الدعوة الى المؤتمر والتحضير له.

وقد اثار بعض المواقف الاميركية الذي سبق المؤتمر وواكبه جدلاً مكتوماً لدى الاوساط اللبنانية خصوصاً في ضوء اعلان مسؤولين اميركيين قبيل بدء المؤتمر ان الهدف منه هو «احكام العزلة على سورية», مثل هذا الموقف جعل بعض الاوساط اللبنانية يتخوف من ان تدفع الحكومة برئاسة فؤاد السنيورة ثمناً داخلياً في وقت لاحق فتكون ربحت الدعم الدولي بيد واصيبت بنكسة داخلية بيد اخرى, ذلك ان ملامح حملة على المؤتمر كانت انطلقت مساء الاحد على لسان رئيس البرلمان نبيه بري و«حزب الله»، وذكرت البعض بالحملات التي كان يتعرض لها الرئيس رفيق الحريري في مناسبات مماثلة, حتى ان بعض المحللين ذهب الى الابعد حين احدث ربطاً بين ظواهر سلبية عدة حصلت في الايام الاخيرة متزامنة مع التحضيرات للمؤتمر وانعقاده, ولذلك فان «الجرعة الاميركية» المفرطة في تصوير المؤتمر خطوة اضافية في «عزل» سورية قد لا يمر من دون خضة سياسية داخلية في الايام المقبلة خصوصاً ان معلومات برلمانية تحدثت امس عن اتجاه بري الى الدعوة الى جلسة استجوابات للحكومة الاسبوع المقبل لا بد من ان تمر بمؤتمر نيويورك.
لكن في المقابل برزت مرونة كبيرة لدى رئيس الجمهورية اميل لحود من شأنها ان تشكل عامل دعم «غير محسوب للحكومة»، ولو في ظل الوضع المتداعي سياسياً للرئيس لحود، فهو اعلن فور عودته امس الى بيروت، ان «تكاملاً» حصل بين تحركه في الامم المتحدة وتحرك السنيورة عبر مؤتمر دعم لبنان مشدداً على ان هناك «وحدة في موقف المسؤولين ونظرة مشتركة» كما اشاد بمؤتمر دعم لبنان وعاود التشديد على انه باق في مهماته حتى نهاية ولايته الدستورية.

وفي الواقع توافرت معلومات تؤكد ان اتصالات عدة حصلت في نيويورك بين لحود والسنيورة وان مضمون كلمتي كل منهما في يوم واحد ولو كان على اختلاف في بعض النقاط، فان الاطار العام ذهب بهما الى اعطاء رسالة للمجتمع الدولي ان لبنان الرسمي ملتزم ضمن امكاناته الاستجابة لمطالب هذا المجتمع وانه يرغب من المجتمع الدولي مساعدته وتفهمه في «الحوار الداخلي» الحتمي الذي يمر عبره تنفيذ المطالب الدولية ومنها القرار 1559 حصراً, ومع ان المتابعين عن كثب للحركة السياسية في نيويورك يتوقعون الا تؤدي الى اي «علامة استلحاق» حيال وضع لحود، فان هؤلاء لا ينفون ان يكون رئيس الجمهورية تصرف هذه المرة بحنكة حيال شريكه السنيورة الذي اصبح «قبلة انظار» الاميركيين ونقطة دعمهم بدليل دعوته الى واشنطن للقاء نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني, وهذا ما يسمح بهدنة داخل الحكم اقله حتى نهاية مهمة التحقيق الدولي.

مصادر
الرأي العام (الكويت)