في خضم سير الموقف الدولي مع سوريا نحو التصعيد و إزدياد المؤشرات التي تدل على تورط سوري مؤکد في موضوع إغتيال السيد الحريري، تتصاعد هنا و هناک أصوات"عربية مقربة من دمشق" تشجب هذا التصعيد و تؤکد أن نتائجه سوف تنقلب وبالا على کل الذين يتطلعون لغزو سوريا! حقيقة أن هذه العبارة و مثيلات مشابهة لها باتت تعج بها وسائل الاعلام العربية مما يساعد على خلق حالة"إنفعالية"لدى الشارع السوري من حيث تعبأته لمواجهة الخطر القادم. ورغم إن مثل هذه المواقف"المعبأة" في دهاليز الاقبية السرية تثير القرف و الاشمئزاز أکثر من دفعها المرء للتمعن فيها، ذلک أنها لاتمثل حرکة جماهيرية عفوية أو أصيلة بقدر ماتمثل إنعکاسا لموقف فوقي مفروض على دوائر معينة لترجمتها في سياقات تخدم أهدافا سلطوية بحتة. إن تجربة الحکم السوري منذ عام1966 وحتى بعد عام1970 عقب الذي يصطلحون على تسميته "الحرکة التصحيحية"، هي تجربة تقبل سحب کل مصطلحات الفشل و الانتکاس عليها وهي قد أثبتت وبکل جدارة إنها غير مؤهلة لقيادة الشعب السوري ولاحتى جديرة بتمثيله. وقد کانت حرب تشرين بحد ذاتها دليل آخر على کذب و دجل هذا الحکم الموغل في الاستبداد و قمع الجماهير السورية، إذ لم تستطع قيادة حافظ الاسد"البعثية" أن تقدم منجزا عسکريا ملفتا للنظر کالذي قدمه الجيش المصري حين عبر القناة وحطم خط بارليف، بل وإن الجهد العسکري السوري يومئذ کان مواز تماما للجهد السياسي السوري، أي کلام کثير و فعل إيجابي أقل من القليل! ومما يجب هنا قوله هو أن الاسد"الاب"الذي لم يسمع زئيره مطلقا في الجولان فيما کانت آثار براثنه و أنيابه واضحة في لبنان و على الحدود السورية ـ الاردنية، کما الحال اليوم مع الاسد"الابن"الذي يظهر إنه يريد أن يصبح أسدا هصورا بعد أن ساعدته حاشية الحرس القديم"الغلبان" على إختزال مرحلة"الشبل" وتتويجه أسدا، فغرز هو الاخر براثنه في طرائد لبنانية سياسية و إعلامية وبعث برسائل بشرية ملغومة للعراق ليثبت إنه ليس بمستوى المسؤولية الملقاة على عاتقه. واليوم حين تشتد وطأة سنابک خيول السيد ميليس وتزداد وقع أصواتها قربا من الآذان السورية، فإن المواقف الانفعالية و التشنجات السياسية تزداد في مواجهة ذلک وکلها تسير بوحي انتظار مايحدث آنفا على أمل حصول معجزة تدفع الى إنقلاب الموازين فينکفئ السيد ديتلف ميليس خائبا منکسرا و تبدأ بعدئذ حسابات الجماهير العربية مع الخونة!! إنه منطق يثير الشفقة و السخرية في آن واحد، وهذا المنطق الهزيل المبني على التمني"رأسمال المفلسين"يصطدم بقوة منطق القاضي الالماني الذي قال بوضوح تام بأنه يعرف"أکثر بکثير مما يظهر"في إشارة قوية لسوريا و حلفائها اللبنانيين المحشورين في عنق زجاجة التحقيق الضيقة. وقد يکون من الافضل لأولئک النفر من الکتاب الذين يشغلون أنفسهم بکتابات تحاليل"هي أشبه بفرضيات خيالية" لاعلاقة لها بحرکة الواقع، تلک الحرکة التي تصنع الاحداث لاتلک التي تدوسها الاحداث. إنهم يتشبثون بالخيال و کلام لاعلاقة له إطلاقا بالذي يجري على الارض وإن تلک العقلية الحالمة التي تفسر الواقع بمفردات الحظ و"القدر" و "لو أو فيما إذا"، هي في حقيقة تذکرني بمثل معروف وهو"إن أقبلت(أي أقبلت الدنيا)باض الحمام على الوتد، وإن أدبرت بال الحمار على الاسد"، والذي أنا واثق منه تماما و تؤکده کل الادلة و القرائن هو أن حمام دمشق سوف لن يبيض على الوتد! ولامناص من أن دمشق تسير بوتائر مسرعة صوب المفترقات الحاسمة التي تبين" الخيط الابيض من الاسود" و أن عدم فهمها لمضمون الرسالة المبعوثة إليها من دول القرار سيقود قطعا الى سلوک نهج آخر يختلف تماما عن هذا النهج الحالي لدفعها کي تعي الموضوع برمته. وإذا کان البعض يشير الى"خيلاء"الرئيس الايراني وهو يؤکد رفض بلاده للمساعي الدولة لثنيها عن المضي قدما في برنامجها النووي، ويصورون ذلک بإنه مبعث فخر و أمل و إقتداء للسوريين، فإن المنطق يدعو للنظر الى خواتم الامور وليس بداياتها، إذ کان کل من نابليون و هتلر في بداية أمريهما يحتلان أجزاءا کبيرة جدا من أوربا ولکن في نهاية المطاف، إنقلب الامر عکس ذلک تماما کما نعلمه جميعنا من التأريخ. ورغم أن أحمدي نجاد"حليف الاسد في لبنان و العراق"سوف لن يکون له متسع من الوقت ليطلق تصريحات نارية فيما لو صبر قليلا ليشهد آخر فصل من التحقيق الدولي في قضية الحريري التي قطعا ستقود ذات يوم لفتح ملف التحقيق الخاص بإغتيال الزعيم الکوردي"الدکتور عبدالرحمن قاسملو"في النمسا والذي هناک أدلة قوية تشيڕ الى تورط الرئيس أحمدي نجاد به، وعندئذ سوف لايجد أحمدي نجاد أسدا يواسيه في الشدة التي ستلم به!

مصادر
إيلاف (المملكة المتحدة)