ثمة مواطن لاذقاني من بين الثمانية عشر مليون الذين أباهي بهم الأمم جلس الشهر الماضي على شرفة منزله المطلة على المقبرة يحتسي المته فباغتته لحظة فرح غير مبررة لمواطن يحمل على عاتقه قضايا الوحدة والحرية والاشتراكية وتحرير فلسطين والعراق فما كان منه إلا أن رفع عقيرة مسجلته الطروب على الآخر الأمر الذي دفع برجال شرطة المحافظة المظفرة لزجه شهرا في السجن المدني بتهمة (إقلاق راحة الموتى)..

وقصة مواطني هذا تذكرني بحالي خلال عقدين من الزمان كانت تأتيني خلالها لحظات فرح مباغتة أثناء كتابة عمودي اليومي الذي تنشره جريدة "تشرين" ليتم بعدها زجري أو منعي أو توقيفي عن الكتابة والسفر إضافة إلى زياراتي الشهرية لمحاكم القطر بتهمة (إقلاق راحة الموتى) الممددين فوق خيرات الوطن..

وفي يوم ما، أثناء هيمنة حكومة الزعبي الثانية وأقصد حكومة مصطفى ميرو كتبت "وخزة" تقول: أخي المواطن: أعلم أنه حتى داخل أعظم الرؤوس في العالم يوجد ركن أحمق، فإذا أردت أن تحيا سعيدا وتحتسي المته على شرفتك كل يوم عليك أن تتجنب الاصطدام بهذا الركن الأحمق في رأس مديرك وزوجتك وخياطك ووزيرك.... في صباح اليوم التالي دخلت إلى مكتبي وكانت الجريدة مستنفرة، قال رئيس القسم اذهب إلى رئيس التحرير فورا فهو غاضب منك.. دخلت إلى فخامة مكتب المدير فوجدت إدارة التحرير مجتمعة بكامل تجهمها.. شو هادا اللي كاتبو اليوم بزاويتك يا أخينا!؟ قلت: هادا اللي كاتبو وأكتبه كل يوم يراقبه رئيس القسم وأمين التحرير ومدير التحرير والمسؤول الأمني إضافة إلى المدير العام الذي يقرأها مرتين حذرا من الألغام..

خفتت نبرة رئيس التحرير وأفهمني بأن (الجماعة فوق) غاضبين علينا!؟ قلت : ولماذا هم غاضبون؟ قال: قالوا لي أن أعظم الرؤوس في العالم هو رأس السيد الرئيس وتأتي أنت لتقول أنه يوجد بداخله ركن.. ولم يكمل الكلمة خوفا .. تقدمت نحو كرسي المدير الوثير ثم جلست عليه بكامل مؤخرتي ورحت أفتله يمينا ويسارا وأنا أتأمل الوجوه الخائفة على مصالحها ثم قلت لهم: بسيطة... هذه مقولة شهيرة لسقراط.. وهكذا انفرجت الأسارير وأسرع المدير إلى الخط الخاص ثم ضرب نمرة رباعية وقال: يا معلم هاي مقولة شهيرة لأفلاطون والكل بيعرفها.. يعني المحرر بريء.. وهكذا حلت المسألة التي أقلقت راحة الموتى في ذلك اليوم الكئيب..