إقدام اسرائيل على اغلاق ملف التحقيق في مقتل 13 فلسطينياً من حاملي الجنسية الاسرائيلية سقطوا برصاص رجال الشرطة الاسرائيلية في تشرين الاول من عام 2000 اثناء تظاهرات شهدتها المدن العربية في اسرائيل تأييداً للإنتفاضة الفلسطينية بحجة عدم توافر الأدلة الكافية التي تدين رجال الشرطة الاسرائيلية، من شأنه ان يخلق أزمة فعلية ليس فقط مع ما تسميه السلطات الاسرائيلية الأقلية العربية في اسرائيل وانما أيضاً مع الحركات المدافعة عن حقوق الانسان والفلسطينيين في وجه الظلم اللاحق بهم من الممارسات الاسرائيلية، التي تنشط على أكثر من صعيد، وبدأت تتوجه نحو السلطات القضائية الدولية من أجل مقاضاة السلطات الاسرائيلية لممارساتها غير القانونية ولإنتهاكاتها لحقوق الانسان.

يأتي القرار الأخير الذي أصدرته وزارة العدل بعد أربع سنوات على وقوع حواث تشرين الاول ليبرىء بصورة أساسية مفوض الشرطة الاسرائيلية ورجاله من تهمة اللجوء الى السلاح الحي لتفريق تظاهرات سلمية، والاستخدام المفرط للقوة واستخدام القناصين في عمليات اطلاق النار مما يتناقض مع التوصيات التي سبق واصدرتها لجنة أور قبل عامين والتي شكلها ايهود باراك للتحقيق في ما جرى وتضمنت ادانة واضحة لسياسة التمييز التي تمارسها السلطات الاسرائيلية في حق مواطنيها العرب على جميع الصعد الاجتماعية والتربوية والامنية، وطالبتها بضرورة اجراء تشريح لجثث القتلى للتأكد من مصدر الرصاص الذي تسبب بموتهم والذي على الارجح هو رجال الشرطة الاسرائيلية.

اليوم تدّعي وزارة العدل الاسرائيلية ان رفض عائلات الضحايا السماح للسلطات الرسمية القيام بالتشريح جعل من الصعب تحديد مطلق النار الذي ظل مجهولاً، كما ادعت الوزارة في تقريرها صعوبة الحصول على شهادات، وغياب الادلة الحسية التي تسمح بمعاقبة رجال الشرطة مما دفعها الى اغلاق الملف العالق منذ خمس سنوات.

منذ اندلاع الانتفاضة تشهد العلاقات بين اليهود والعرب من سكان اسرائيل أزمة ثقة،لاسيما مع موجة التضامن الواسع الذي أظهره عرب اسرائيل مع بدء الانتفاضة الفلسطينية، والاتهامات التي تبرز من حين لآخر لإسرائيليين عرب بالتعاون مع منفذي العمليات الانتحارية داخل اسرائيل أوانشاء شبكات سرية للتعاون مع "حزب الله" وغيرها من اتهامات خلقت أجواء حذر وشكوك بين فلسطينيي الـ48 ودولة اسرائيل التي تعاملهم كمواطنين مشكوك باخلاصهم وولائهم. وإذا كان فلسطينيو اسرائيل يعانون في الاساس من الإزدواجية في الهوية والانتماء و يحاولون جاهدين الدفاع عن بقائهم في أرضهم عبر تبني مواطنيتهم الاسرائيلية من دون ان يعني ذلك تنكرهم لهويتهم الفلسطينية، فإن مثل القرار الاخير لوزراة الدفاع من شأنه ان يوقظ من جديد الاحساس بالقهر وبالظلم اللاحق بفلسطينيي الـ48 ويعمق من شعورهم كأقلية لا تتمتع فعلاً بأي حقوق أو دعم من جانب القوانين الاسرائيلية. ولمّا كانت القوانين والقضاء الاسرائيليان عاجزين عن احقاق الحق والعدالة لعائلات الضحايا لم يبق لهؤلاء سوى اللجوء الى اجهزة القضاء الدولي للمطالبة بمعاقبة المسؤولين عن موت ابنائهم.

وهكذا يُفتح ملف قضائي وقانوني جديد ضد اسرائيل أمام المحاكم الدولية بعد القرار الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في لاهاي بلاقانونية جدار الفصل والقرار المضاد الذي أصدرته محكمة العدل العليا في اسرائيل بلاقانونية قرار محكمة لاهاي وبطلانه، وبعد قرارت المحكمة في لندن توقيف ضباط كبار في الجيش الاسرائيلي بتهمة ارتكابهم جرائم حرب ضد الفلسطينيين، الى جانب الملفات المرفوعة الى الجهات الدولية للتحقيق بأعمال تدمير اسرائيل منازل الفلسطينيين وشكاوى ضد المصادرات غير الشرعية لأراض عربية.

وهكذا يبدو أكثر فأكثر ان النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي بات يأخذ وجهاً دولياً قانونيا وقضائياً لا يقل حدة عن وجهه المسلح لا بل يبدو احيانا أكثر فاعلية. وهذا يدل في جزء منه على تصاعد الدورالذي تضطلع به الحركات العالمية الانسانية المدافعة عن حقوق الانسان لدى الهيئات والمنظمات الدولية. هذه التنظيمات التي كانت حتى وقت قريب موضع استخفاف من جانب المسؤولين استطاعت ان تثبت انها الطلائع الثورية الجديدة لمجتمعات القرن الحادي والعشرين.

مصادر
النهار (لبنان)