شروط "شارونية" للانتخابات الفلسطينية... والانسحاب من غزة لم يفرق الإسرائيليين

كلمة شارون في الأمم المتحدة، ومعارضته لمشاركة "حماس" في الانتخابات التشريعية المقبلة، والخلافات القانونية مع الفلسطينيين، وتلاشي التوقعات المحذرة من اندلاع حرب أهلية بين الإسرائيليين بعد الانسحاب من غزة... قضايا نتطرق لها بإيجاز ضمن إطلالة أسبوعية على الصحافة الإسرائيلية.

"الثبات على طريق السلام"

بهذا العنوان استهلت صحيفة "هآرتس" افتتاحيتها ليوم الأحد الماضي متناولة الكلمة التي ألقاها أرييل شارون في القمة العالمية للأمم المتحدة في نيويورك. الصحيفة رصدت النبرة المتفائلة التي طبعت كلمة شارون، خصوصا ما يتعلق بمواصلة طريق السلام مع الفلسطينيين منوهة إلى الخطوة الشجاعة، على حد تعبير "هآرتس"، التي أقدم عليها شارون في الأسابيع الماضية والمتمثلة في الانسحاب من قطاع غزة. وأشادت الافتتاحية كذلك بالتزام شارون خلال كلمته بالاستمرار في إحلال السلام يدا في يد مع الفلسطينيين. وبالرغم من الصعوبات الداخلية التي يواجهها رئيس الوزراء الإسرائيلي مع اشتداد الانتقادات الموجهة إليه داخل حزب "الليكود"، إلا أنه أظهر مقدرة فذة، حسب الصحيفة، على تجاوز الخلافات الداخلية والرقي إلى مستوى اللحظة السياسية التي كانت تتطلب منه اتخاذ قرار حاسم بإخلاء المستوطنات، وهو ما فعله دون تردد. لكن الصحيفة انتقدت إعلان شارون مواصلة بناء المستوطنات حتى المرحلة الأخيرة من المفاوضات مع الفلسطينيين، معتبراً أن الكرة في ملعب الفلسطينيين، وأنه يتعين على السلطة الفلسطينية محاربة العمليات الإرهابية. لكن الصحيفة ترى أنه لا يمكن للسلطة الفلسطينية إقناع شعبها بإلقاء السلاح، إلا إذا ساعدها شارون بوقفه الاستيطان، والكف عن استغلال "الجدار الأمني" لقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية.

"الرصاص أو الاقتراع"

خصصت صحيفة "جيروزاليم بوست" افتتاحيتها ليوم الإثنين الماضي للحديث عن إعلان "حماس" نيتها في المشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة المزمع إجراؤها في 25 يناير المقبل، وما خلفه ذلك من جدل داخل الأوساط الإسرائيلية. وقد ركزت الصحيفة على التهديد الذي أطلقه أرييل شارون بإعاقته للانتخابات في حال سمحت السلطة بمشاركة "حماس"، لأنها مازالت في رأيه "منظمة إرهابية". فقد صرح شارون يوم الجمعة الماضي في نيويورك قائلا "لن نساعد الفلسطينيين في تنظيم انتخاباتهم، إنني لا أعتقد أن الفلسطينيين يمكنهم عقد الانتخابات دون مساعدتنا، لذا لن نقدم أي عون لهم إذا ما شاركت حماس". وتؤكد "جيروزاليم بوست" أنه دون الدعم اللوجستي الإسرائيلي المتمثل في رفع الحواجز الأمنية من الضفة الغربية وتسهيل مرور الفلسطينيين إلى مراكز الاقتراع، بالإضافة إلى السماح لسكان القدس بالمشاركة لن يكتب النجاح للانتخابات الفلسطينية. وإزاء هذا الموقف الإسرائيلي حيال مشاركة "حماس" في الانتخابات، أوردت الصحيفة الموقف الفلسطيني على لسان عضو السلطة الفلسطينية صائب عريقات الذي طالب إسرائيل بعدم التدخل في الشؤون الفلسطينية الداخلية قائلا "سوف تشكل انتخاباتنا نقطة انعطاف نحو التعددية السياسية، والمحافظة على النظام والقانون". غير أن الصحيفة أعلنت موقفها المعارض لمشاركة "حماس" مبررة ذلك بكون الحركة ستنقلب على الديمقراطية حالما تصل إلى السلطة، وأنها مازالت تطالب بالقضاء على إسرائيل. وتضرب الصحيفة مثالا بالانتخابات الأفغانية التي لم تسمح بمشاركة عناصر "طالبان" السابقين إلا بعد إلقاء أسلحتهم والتزامهم بالديمقراطية.

"بين القانوني والسياسي"

تطرق الكاتب الإسرائيلي إفرايم حاليفي في المقال الذي كتبه في "يديعوت أحرونوت" يوم الإثنين الماضي إلى موضوع العلاقة بين القانوني والسياسي في الالتزامات الإسرائيلية تجاه المجتمع الدولي والفلسطينيين. الكاتب بدأ الحديث عن قرار محكمة القضاء العليا الإسرائيلية التي اعتبرت فيه أن الجدار الفاصل الذي يمر بالقرب من مستوطنة "ألفي ميناشي" غير قانوني لأنه يخترق الأراضي الفلسطينية رافضة المبررات الأمنية للجدار التي تسوقها الدولة. ويشير الكاتب كذلك إلى قرار إحدى المحاكم البريطانية بتوقيف الجنرال درون ألمونج بتهمة ارتكابه لجرائم حرب، ما حال دون دخوله الأراضي البريطانية. وهو ذات الأمر الذي واجهه أرييل شارون عندما تردد أمام دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بزيارة بريطانيا نظرا لتاريخه العسكري السابق. لكن الكاتب يرى أن الخلاف بين الفلسطينيين والإسرائيليين ليس قانونيا، بل هو خلاف سياسي بين أمتين تتصارعان من أجل البقاء. وفي هذا الإطار يشير الكاتب إلى مسألة الحدود التي يعتقد أنها خاضعة كذلك لمنطق التدافع السياسي، وليس للقضايا القانونية، وأنه ما أن يتم التوصل إلى اتفاق سياسي، فإن الخلاف بين الطرفين سينتهي حتى يفقد الصراع طابعه القانوني. ويؤكد الكاتب على ضرورة أن تلعب إسرائيل دورها في المحافل الدولية وتحاول الدفاع عن قضاياها من الناحية القانونية مشيراً إلى قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي بعدم قانونية الجدار الفاصل، وهو ما يضر في رأيه بالموقف الإسرائيلي ويمنح زخما للفلسطينيين.

"الحرب الأهلية التي لم تكن"

"إن الحرب الأهلية التي تنبأ بها أرييل شارون عقب الانسحاب من غزة على صفحات نيويورك تايمز لم تتحقق" بهذه العبارة استهل "نتان شارانسكي" أول من أمس الاثنين، مقاله في "إسرائيلي إنسايدر"، يشرح فيه بعض المخاوف التي سادت الأوساط الإسرائيلية قبيل الانسحاب من غزة وإخلاء المستوطنات، حيث تصاعدت الأصوات محذرة من مغبة اندلاع حرب أهلية بين المستوطنين المتشددين الرافضين للانسحاب، وبين قوات الجيش الإسرائيلي. لكن "شارانسكي" يعتقد أن اللحمة الإسرائيلية هي أقوى من أن يهزها الانسحاب من بعض أراضي إسرائيل، مدللا على ذلك بالمشاعر الجياشة التي سادت بين أفراد الجيش. وفي لحظات مؤثرة، يقول الكاتب، شهدنا كيف تعانق الضباط مع المستوطنين في مشهد يؤكد على عمق الروابط المشتركة. وهو لا ينكر لومه للعلمانيين الذين هولوا من موضوع الانسحاب وحاولوا دق إسفين التفرقة بين مكونات الشعب الإسرائيلي الواحد. ويذكر الكاتب كذلك أنه تألم لبعض الشعارات التي كان يرفعها المناهضون للمستوطنين، حيث كانوا يرددون "إني أشبه الفلسطيني أكثر من المستوطن". لكن كل تلك المخاوف تراجعت إلى الوراء بعد أن أكد الإسرائيليون للعالم كله أنهم شعب واحد ينهل من الذاكرة الموشومة ذاتها المفعمة بالألم والمعاناة عبر التاريخ.

مصادر
الاتحاد (الإمارات العربية المتحدة)