تابعت اثناء زيارتي القصيرة لواشنطن الانسحاب الاحادي من قطاع غزة والذي نفذته حكومة ارييل شارون بعد استقالة الليكودي البارز فيها رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو. وتابعتها في الوقت نفسه الادارة الاميركية بكل دوائرها ومعها متعاطو الشأن العام في العاصمة الاميركية وذلك نظرا الى ما لهذه الخطوة بل ما للصراع العربي – الاسرائيلي وتحديدا لبه الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي من تأثير مباشر ومهم على الوضع في الشرق الاوسط وتحديدا على الحرب على "الارهاب" التي تخوضها الولايات المتحدة وحلفاؤها والمجتمع الدولي عموما في العراق قلب هذه المنطقة وفي العالم العربي والاسلامي بل في العالم كله.

ماذا كان تقويم متتبعي الشأن العام الاميركيين لخطوة الانسحاب من غزة وآثارها المستقبلية؟

اكد معظمهم ان شارون سيكتفي بالخطوة المذكورة رغم كل الكلام الذي قاله قبل تنفيذها وبعد هذا التنفيذ من انها جزء من "خريطة الطريق" التي وضعتها الرباعية الدولية وانها يجب ان تؤدي الى قيام دولة فلسطينية في حال نفذ الجانب الفلسطيني اي السلطة الوطنية الفلسطينية التزاماته ولاسيما في موضوع وقف "الارهاب" الفلسطيني. وهذا يعني ان رئيس الوزراء الاسرائيلي سيركز جهده من الآن حتى الانتخابات العامة التي يفترض ان تجرى في بلاده خريف السنة المقبلة على امرين متكاملين. الاول، احتواء الاثار السلبية السياسية التي رتبها الانسحاب من غزة عليه داخل المجتمع الاسرائيلي في ضوء التعبئة الواسعة التي نفذتها ضده كل قوى اليمين المؤيدة للبقاء في غزة بل للاستيطان في كل اراضي اسرائيل (فلسطين) التاريخية. والثاني، استعادة الزمام داخل تكتل "ليكود" تمهيدا لخوض معركة ناجحة ضد نتنياهو منافسه الابرز على زعامة الحزب وتاليا على قيادته في الانتخابات العامة، علما ان معركة كهذه لا تبدو مضمونة النتائج على الاقل حتى الآن. وعلما ايضا ان فشلها لا يعني انتفاء خيارات اخرى لديه من شأنها تجديد التفويض الشعبي له الامر الذي يبقيه رئيسا لوزراء اسرائيل لولاية جديدة. واكد معظمهم ايضا ان "السور الواقي" كما يسميه الاسرائيليون او الجدار الفاصل كما يسميه الفلسطينيون والذي بوشر بناؤه قبل اكثر من سنتين داخل الضفة الغربية لحماية اسرائيل والقدس والمستوطنات داخل الضفة من العمليات "الارهابية" الفلسطينية صار نهائيا. اي لا عودة عن اكمال بنائه رغم الاحتجاجات العربية والدولية ورغم القرار السلبي في شأنه الذي اتخذته محكمة العدل الدولية قبل مدة. ولفت هؤلاء في معرض كلامهم على الانسحاب الاحادي من غزة الى حقيقتين مهمتين. الاولى، نجاح الفلسطينيين اثناء الانتفاضة التي بدأوها في خريف عام 2000 وقبلها في تصدير العنف والمشكلات الى داخل اسرائيل. اما الثانية فهي ان شارون وبعد انسحابه من غزة اعاد او سيعيد تصدير العنف والمشكلات الى الفلسطينيين والى العرب وخصوصا الى لبنان والاردن. لكن الاردن سيتعب.

اما في شأن الصراع السياسي البحت الذي يحاول البعض اعطاءه مسحة ايديولوجية بين شارون ونتنياهو فان معظم متابعي الشأن العام الاميركي انفسهم يعتقدون ان استقالة الثاني من حكومة الاول قبل ايام معدودة من تنفيذ خطة الفصل مع غزة اي الانسحاب منها هي خطوةمصلحية وتكتيكية. وهو لو كان جادا في منع ذلك، اذا استطاع، لكان ترك الحكومة قبل ذلك بكثير وقام بانشطة متنوعة لاجهاضه. لكنه فعل ذلك وعلى النحو المعروف لانه ادرك انه لن يستطيع منع الانسحاب اولا لان غالبية الرأي العام الاسرائيلي معه ولان شارون لن يتراجع عن قراره ولانه اراد ان يقول للناس في بلاده ان الانسحاب لم يحصل على يده. وهو يحاول استثمار ذلك سياسيا في الداخل وقد بدأ ذلك.

طبعا يعتقد بعض هؤلاء المتابعين الاميركيين ان ما حصل في غزة اي الانسحاب منها لا بد ان يحصل يوما في الضفة الغربية رغم ان التمسك بها هو امر مبدئي عند اليهود الاسرائيليين. ذلك ان الواقعيين او العمليين في اسرائيل ليسوا قلة في رأي هذا البعض. وهؤلاء يدركون ان لا حل لمشكلتهم مع الفلسطينيين وتاليا لكل المصاعب الامنية وغير الامنية التي يعيشون من دون قيام دولة فلسطينية على الاراضي التي احتلت عام 1967. طبعا سيتمسك هؤلاء بالقدس كاملة وسيحاولون التمسك بقسم من الضفة يقع داخل جدار الفصل او "السور الواقي" اي بينه وبين الخط الاخضر. وسيبذلون كل جهدهم من اجل ذلك. لكنهم في النهاية وعندما لا يعود هناك من سبيل آخر امامهم لهم فأنهم سيقبلون التخلي عن امور ما كان ممكنا تصور تخليهم عنها.

ماذا يقول عن الموضوع نفسه اي الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي وبعد الانسحاب من قطاع غزة احد ابرز الذين شاركوا من مواقع رسمية ويشاركون الآن من مواقع غير رسمية في ايجاد حل له او تسوية؟

يقول ان ارييل شارون رئيس وزراء اسرائيل لم يعط يوما محمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ما يحتاج اليه كي يتمكن من فرض سلطته والوفاء بالتزاماته. ويقول ايضا انه يبحث الآن عن مستقبله السياسي بعد غزة. وهذا المستقبل رهن بما يمكن ان يحصل في الضفة الغربية او منها من الآن فصاعدا. فاذا انتقل العنف اليها ومنها يخسر شارون مستقبله السياسي اي استمراره على رأس "ليكود" ولاحقا الحكومة الاسرائيلية. وتكون خسارته لمصلحة منافسه بنيامين نتنياهو. ويقول ثالثا ان ربح شارون المستقبل المنظور لن يمنعه من استعمال قوة غير معهودة في حال تجدد العنف لان نتنياهو وغيره سيقولون له: لولا انسحابك من غزة لما حصل ذلك. ويقول رابعا ان المعلومات التي في حوزته تشير الى ان حركة "حماس" ستبقى هادئة عسكريا او "عنفيا" حتى كانون الثاني المقبل موعد الانتخابات الفلسطينية العامة. والدافع الى هدوء كهذا هو رغبتها في الاشتراك في الانتخابات وتحقيق ربح كبير محتمل فيها وتاليا الحصول على شرعية دولية مهمة بعدما حصلت على الشرعية الشعبية. اما "الجهاد الاسلامي" الحركة الفلسطينية الاصولية الاخرى فلا تبدو معنية بهذا الموضوع ربما لان حجمها الشعبي التنظيمي صغير ولا يقاس بحجم "حماس". لكن الاسئلة التي تطرح هنا كثيرة ابرزها اثنان :

- ماذا لو استأنفت "الجهاد" العنف قبل الانتخابات الفلسطينية؟

- كيف ستتصرف "حماس" في ضوء ذلك؟ اي هل تشارك في العنف بعد رد فعل اسرائيل عليه أم لا؟

إلا أن لمسؤول اميركي كبير سابق رأيا أخر يعتبر ان عنفا بعد الانسحاب من غزة سيحصل. ويفيد ايضا ان الانسحاب من غزة لم يكن خطوة اولى يمكن ان تليها خطوات، بل كان خطوة اولى واخيرة. ويفيد اخيرا ان الاردن سيدفع ثمنا كبيرا لذلك كله. وسيكون الثمن للفلسطينيين.

ماذا عن العراق وايران في واشنطن؟

مصادر
النهار (لبنان)