لم يعد خافيا أن الإدارة الأميركية تتبع سياسة العزل الدبلوماسي الدولي مع دمشق، تمهيدا لإجبار الأخيرة على السير وفق الرؤى الأميركية في القضايا المختلف عليها بين الجانبين.

الرئيس الأميركي جورج بوش اعترف شخصيا الأسبوع الماضي -وبعد لقائه الرئيس العراقي جلال الطالباني في نيويورك- بأنه يعتمد هذا الأسلوب مع سوريا، ومضى يحذر دمشق من مواجهة المزيد من العزلة بسبب موقفها من "توفير الأمن في العراق وافتقادها الشفافية الكاملة حيال ما قام به السوريون في لبنان".

وبالأمس أقر مسؤول أميركي طلب عدم الكشف عن اسمه بأن إستراتيجية واشنطن في لبنان تقوم على دعم بناء دولة تتمتع بالسيادة، ومواصلة سياسة العزل الدبلوماسي على سوريا.

ويرى المراقبون أن دمشق نجحت ومن خلال قرارها بتمثيل بسيط لها في القمة العالمية -التي عقدت في نيويورك مؤخرا- بتجنيب الرئيس بشار الأسد الكثير من المواقف المحرجة فيما لو مثل بلاده بالقمة العالمية، وهو ذات المصير الذي واجهه الرئيس اللبناني إميل لحود -المغضوب عليه أميركيا- بعد أن وجد نفسه معزولا بجناحه في الفندق أو في مقعده بالقمة بعيدا عن كل قادة العالم عربا وأجانب بناء على تعليمات أميركية.

وحسب المراقبين فإن بوش لم يكن ليتردد باستبعاد الأسد من حفل الاستقبال الذي أقامه على هامش القمة لقادة العالم، وهو ذات الأمر الذي اتبعه مع لحود.

وإمعانا في سياسة التهميش والعزل قامت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس بعقد اجتماع لدعم "سيادة واستقلال لبنان" بمشاركة الدول الثماني الكبار والأمين العام للأمم المتحدة وعدد من الدول العربية. اللافت للنظر أن رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة هو الذي مثل بلاده، بينما كان رئيس البلاد إميل لحود في المبنى نفسه يلقي خطابا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ووفقا لوجهة نظر المتابعين للعلاقة السورية-الأميركية، فإن سياسة العزل الأميركية ضد سوريا ليست مرتبطة بالمسألتين العراقية واللبنانية فقط، بل إن عمرها يزيد عن عمري هاتين الأزمتين بكثير. وحسب هؤلاء فإن الموقف السوري من الصراع العربي-الإسرائيلي، وعلاقة دمشق مع حزب الله والجمهورية الإسلامية الإيرانية كانت الأسباب الرئيسية لبدايات هذه السياسة.

وبالنظر إلى السياسات الأميركية خلال العقدين الماضيين حسب المراقبين تبدو سياسة العزل الدبلوماسي ليست جديدة، وقد أتت هذه السياسة أكلها وفق ما يشتهي الأميركيون في العديد من الحالات.

ولعل أفضل مثال على ذلك ما حدث مع ليبيا التي تحولت من صفوف الأعداء المهمشين إلى صفوف الأصدقاء المقربين بعد استجابتها للكثير من المطالب الأميركية، ويكاد المثل ينطبق إلى حد ما على الخرطوم التي نجحت عدة مرات بامتصاص الغضب الأميركي، وقد تنضم بيونغ يانغ لهذه الدول إذا التزمت بتعهداتها الأخيرة واستجابت للضغوط الأميركية.

وبعكس هذه الحالات يبدو الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أحد ضحايا العزل الأميركي، الذي أمضى آخر سنتين من عمره حبيسا بمكتبه في رام الله دون أن يحظى بمكالمة هاتفية من زعيم أو وزير عربي، أما الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين فقد عانى من العزلة الأميركية 13 عاما، قبل أن يسحب الغزاة الأميركيون البساط من تحت قدميه.

مصادر
الجزيرة نت (قطر)