اكتب هذا المقال بقلب مفتوح الى شعب عزيز اعتبرناه وما زلنا شقيقاً، رغم كل حملات التضليل والتجنّي.

اكتب هذا المقال من باب الصراحة والمصارحة في اسوأ زمن تمرّ به العلاقات اللبنانية – السورية، وفي وقت يحاول البعض تمويه الحقائق وتصوير الازمة كأنها بين الشعب اللبناني والشعب السوري، واننا على ابواب حرب بين الشعبين والبلدين!

هذا ويا للاسف ما يحاول مسؤولون في سوريا وبقايا النظام اللحودي – البعثي في لبنان تصويره لك ايها الشعب الصديق، بهدف ابعاد "كأس" المسؤولية عن خراب العلاقات اللبنانية – السورية وتخريبها عن المسؤولين الحقيقيين عنها، واعني اهل النظام في سوريا وحلفاءهم في لبنان.

واريدك ان تعلم ان هدف هؤلاء ليس بناء علاقة سليمة وشفافة واخوية بين الشعبين، بل الحفاظ على مصالحهم الخاصة على حساب مصلحة الشعبين والبلدين. وهي مصالح لا علاقة لها بـ"الاستراتيجيا العربية العليا" لأن لأصحابها استراتيجيتهم بالدفاع عن مصالح مافياوية مبنية على شبكات تخدم مصلحة الشبكة الثنائية بين اركان النظامين، وإن تعارضت مع مصالح الشعبين.

قد تقول لي انك حرّ في اختيار نظامك والمسؤولين عنك، وان هذا هو شأنك. فأقول لك ان هذا هو حقك ما دام لا يؤثر على مصالح لبنان وشعبه، وعلى العلاقة الوطيدة بين بلدينا. واعني بذلك ان هدفنا في لبنان ليس تغيير النظام في سوريا، وخصوصا اذا كان الشعب السوري راضيا به، ولكننا لا يمكن ان نقبل ان يتخطى النظام السوري الحدود ليؤثر مباشرة على ميزات لبنان القائمة على الديموقراطية والتعددية واحترام الحريات العامة والخاصة والدفاع عن النظام الاقتصادي الحر والانفتاح على العالم انطلاقا من احترام الحوار في الداخل ومع الخارج. كما لا يمكن ان نقبل ان يصبح لبنان هدفاً مباشراً للنظام السوري عنوانه الغاء الوطن بحجة ان لبنان "كذبة تاريخية" اخترعها الاستعمار وان المطلوب هو تصحيح هذا الخطأ، ولا نقبل كذلك ان يكون لبنان تحت اي وصاية خارجية، سورية كانت ام اجنبية. ولا نقبل ايضا ان يحوله النظام في سوريا ورقة ضغط وابتزاز دولية، او ساحة لتصفية الحسابات، او بقرة حلوبا يفيد النظام السوري من خصوصية تركيبته المالية والمصرفية والاقتصادية لامرار الصفقات المافياوية لاركان النظام على حساب مصلحة الشعبين.

بمعنى آخر، وبطريقة ابسط، نقول ان الشعب المتمسك بسيادته وحريته واستقلاله يرفض ان يلغى او ان يبتلع او ان تحكمه دولة اخرى، اياً تكن.

فهل تعتبر ذلك يا صديقي ويا شقيقي، جريمة او اعلان حرب عليك؟

دعني اسألك: تصور ان شعوب العالم او بعض الطغاة المتهوسين قرروا تغيير خريطة العالم مدعين ان الحرب العالمية الاولى غيرت الجغرافيا وكذلك فعلت الحرب الثانية، كما غيرت كل مرحلة او قرن من تاريخ هذا الكون جغرافياً ما في العالم – لو حصل ذلك فعلاً لكنا اليوم نعيش حروباً مستمرة ودائمة ودامية!

أليس لهذا السبب بالذات انهارت عصبة الامم فكانت الحرب العالمية الثانية ومن ثم انشئت الامم المتحدة التي يعود اليها وحدها القرار والحق في الاعتراف او عدم الاعتراف بالدول، وذلك باتفاق دولي عالمي، اضافة الى دورها في حماية الدول في كياناتها؟

الا تعتبر يا صديقي وشقيقي ان من حقي ان ادافع عن وجود بلدي، واذا لم افعل ذلك فهل كنت تحترمني؟

وماذا تراك تفعل انت إن هُدِّدت سوريا في وجودها وكيانها، فهل يكون دفاعك عن وطنك جريمة ام حقا مقدسا؟

لقد عانى اللبنانيون طويلا من تدخل قيل لنا انه كان يهدف الى مساعدة بلدهم على استعادة عافيته بعد حرب استمرت 17 عاما وحصدت اكثر من 150 الفاً من اهله.

ولا بد انك تعرف اكثر مني ان السلاح الفلسطيني، مثلاً، دخل لبنان عام 1975 في زي "جيش التحرير". كما ان الجيش السوري شارك بشكل مباشر – ولم تخف دمشق ذلك – في معارك عديدة شهدتها قرى ومدن لبنانية.

على اي حال لا اجد فائدة الآن من الخوض في فلسفة الحرب وتفاصيلها، كل ما اريد الافصاح عنه هو ان ما قيل عن دور محايد لسوريا في فترة ما قد تحول الى دور فاعل وحقيقي جعل منها فريقا وطرفا اساسيا في الصراع اللبناني، اضافة الى سياسة فرّق تسد التي اتبعتها وكانت مفاعيلها مدمرة لوحدة اللبنانيين وعيشهم المشترك، كما حالت دون تحقيق المصالحة في ما بينهم.

ولقد شعر اللبنانيون بوطأة وضع اليد السورية الشاملة والكاملة على لبنان وخيراته.

واني اسألك يا صديقي واخي: هل كنت تقبل مثلاً ان يقرر الحكام في لبنان شكل الحكومة في سوريا، او ان يسموا الوزراء، ويؤلفوا اللوائح الانتخابية، ويديروا الانتخابات النيابية، ويغيروا القوانين الانتخابية؟

بل هل كنت تقبل مثلا ان يعدّل دستورك من لبنان وبقرار لبناني؟

وهل كنت توافق على ان نسمي عنك رئيس جمهوريتك وحكومتك ومجلس امتك؟

وهل كنت توافق على ان تجرى في بيروت التعيينات الادارية في المؤسسات العامة السورية؟

وماذا لو تدخل لبنان في تعيين السفراء والديبلوماسيين السوريين؟

قل لي بربك، هل كنت توافق على ان يعيّن في سوريا مسؤول امني لبناني ليقوم بدو ر المفوض السامي و"الحاكم بأمر الله"، بأمر السلطة في بيروت، فيدير شؤونك ويتحكم بمقدرات بلدك على حساب مصلحتك ومصلحة وطنك؟

وماذا مثلا لو فُتحت سجون ومقار للتوقيف تابعة للمخابرات اللبنانية على الاراضي السورية، واقتيد اليها مثلاً كل معارض سوري للسلطة في لبنان او معارض سوري للسلطة في سوريا، وضُرب هذا المعارض وأذلّ وعذّب قبل ان يلقى في السجون اللبنانية ويصبح رقما فيضيع في غياهبها ويصبح في عداد المفقودين؟

وهل سمعت يا صديقي وشقيقي بعنجر، والبوريفاج؟ وهل حدثك احد عن الاشباح ووطاويط الليل ومن كان يتعاون معهم داخل السلطة البوليسية اللبنانية لتسليم مواطنين لبنانيين الى المخابرات السورية؟

وهل كنت يا صديقي لتوافق على الا تتم مثلا اي معاملة في قريتك او مدينتك او داخل عائلتك دون ان يرعاها او يوافق عليها المسؤول المخابراتي اللبناني؟

وماذا تقول اذا رايت رئيس جمهوريتك او رئيس حكومتك يعرّج في طريقه الى العاصمة بيروت على مركز المخابرات اللبنانية داخل الاراضي السورية قبل القيام بأي حركة متسأذناً المسؤولين فيه؟

وهل كنت لتقبل ان تكون السلطة في لبنان الحامي الاساسي لكل الفاسدين والمفسدين داخل الطبقة السياسية السورية؟

هل كنت لتقبل ان تكون السلطة في لبنان متعاونة او شريكة مع اعلى المسؤولين في دمشق، ومع اقربائهم، لبناء شبكات مافياوية على حساب خيرات وطنك، بل على حسابك انت وعائلتك وعرق جبينك؟

وماذا لو كانت سوريا دولة ديموقراطية واقتصادها حر وتحترم الحريات العامة وحقوق الانسان، وكان لبنان نظاما توتاليتاريا، يحكمه حزب واحد لا يحترم الحريات العامة ولا حقوق الانسان، كما لا ينعم بنظام اقتصادي حر – فهل كنت وافقت على ان يهدد الحكم اللبناني نظامك المميز؟

ألم تكن تطمح مثلا لبلدك الذي تتعلق به ان يصبح النظام اللبناني على صورة النظام في سوريا؟

اريدك يا صديقي واخي ان تفهم ان هذا هو واقع الحال ولهذه الاسباب ترانا نتمسك بوطننا ومميزاته وخصوصياته، لأننا نعتبر انها مثل اعلى ليس للمنطقة فحسب، بل للعالم اجمع.

* * *

اريدك يا صديقي واخي ان تعرف ان اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ليس سوى محطة من تلك المحطات التي أثّرت سلبا على العلاقات بين بلدينا. وثمة لبنانيون كثيرون يحمّلون النظام في سوريا مسؤولية جرائم ذهب ضحيتها زعماء من كل الطوائف والتيارات، فضلا عن عمليات ارهابية وتفخيخ سيارات بمعزل عما سيؤدي اليه تحقيق اللجنة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الحريري وهو تحقيق لا علاقة له بالسياسة على كل حال. وهذا يعني ان ملف الاداء السوري السيئ في لبنان قديم وقديم جدا! وتراني لا اتذكر واظن انك لا تتذكر أيضاً اي عملية اغتيال او تفخيخ او اعلان حرب من اي لبناني ضد سوريا بالذات منذ الاستقلال.

ولا ضرورة هنا، يا صديقي واخي للتذكير بأننا حاولنا جاهدين مرارا وتكرارا ان ننبه بصوت عال وبلغة اخوية لا عدائية، الى محاذير هذه الممارسات وانعكاساتها السيئة على العلاقات بين البلدين.

ولكن، كالعادة، كان كل من يفتح موضوع تصحيح العلاقات يتهم بالعمالة والتآمر على سوريا ولبنان.

لقد اردت يا صديقي واخي في سوريا ان اصارحك، محذراً من محاولات لاشعال فتنة في لبنان او في ما بيننا من اجل تغطية الجرائم والارتكابات التي بات اصحابها معروفين، ويا للأسف!

اريدك ان تعرف ان هؤلاء هم من يتحمل المسؤولية عن توتير العلاقات بين شعبينا وبلدينا. واقصد بذلك حكامك وحكامنا السابقين ومن تبقى منهم!

وصدقني ان الشعب اللبناني مسالم، ويريد الخير لسوريا وشعبها، وهو متضامن معها في مواجهة العدو الاسرائيلي.

وان منتهى طموح الشعب اللبناني ان تصحح العلاقات مع سوريا، وان يتصالح الشعبان من فوق رؤوس الحكام الفاسدين والمفسدين.

ويا شقيقي واخي، لو كنتَ مكان الشعب اللبناني لتصرفت بالطريقة نفسها التي نتصرف نحن بها، مطالبا بحريتك وسيادتك واستقلالك، وبعلاقات بين بلدينا مبنية على الاحترام، والثقة المتبادلة، انطلاقا من الاعتراف بالآخر وبخصوصياته!

اخي وصديقي في سوريا، الشعب اللبناني عاشق للحرية، وكذلك شعبك. ونضالهما الوطني يشهد لتعلقهما بالحق والعدالة وان كل ما نطلبه منك هو ان تتفهم تمسكنا بهذه القيم الثلاث.

وثق يا اخي وصديقي في سوريا بأننا نحن الحلفاء الحقيقيين لك، وان المافياويين هم اعداؤنا واعداؤك، وان معركتنا واحدة!

مصادر
النهار (لبنان)