وهم الوقوف عند نقطة تاريخية ربما تغري البعض لمخاطبتنا .. لاعتبار أن المجتمع السوري مضلل أو انه غير قادر على استكمال موقفه .. لكن المسألة تتجاوز أحيانا المخاطبة لتدخل في إطار الإرباك، فسواء كانت البنادق الإعلامية قادمة من بيروت أو دمشق فإن مسألة الإرباك تبدو استراتيجية محكمة.

الرسائل المفتوحة إلى الشعب السوري أصبحت ظاهرة لا نريد توقفها طالما أن الإعلام يدعي امتلاكه للسلطة الرابعة... لكن الاعتقاد بأن الحدث السياسي نهائي أو مطلق يسقط عمليا مبدأ السلطة الرابعة كما تبناها الإعلام العربي عموما .. وإذا كانت الرسائل الموجهة اليوم إلى الشعب السوري تمسح نفسها بالعفة وتتطهر من آثام السياسيين، فإن الصحافة نفسها لا يمكن أن تدعي، حتى في أرقي الديمقراطيات، أنها بعيدة عن اللوبيات السياسية مهما كان اتجاهها.

المجتمع السوري لا يمكن اختصاره بنقطة تاريخية فجرت الإعلام .. حتى لا نقول أرادت إعادتنا لزمن القبيلة .. والمجتمع السوري في النهاية لا يحتاج لفضح الحقائق وهو الذي بقي يتنقل حتى في زمن الحرب الأهلية بين دمشق وبيروت ... والمجتمع السوري عرف الفصائل الفلسطينية دون حاجة لمن يقول لها سماتها أو أوصافها .. وهو أيضا ليس جاهلا بما يسميه البعض "المافيات" أو "الأجهزة" ..

مشكلة الخطاب الموجه إلى "الشعب السوري" أنه مغلق على قناعاته .. يتوهم أحيانا قدرته على الترفع رغم أنه غارق في اللعبة السياسية، ويحاول تجاهل صورته التي تكونت منذ أكثر من عشرين عاما، ليضع أمامنا صورة طفل في الخامسة من عمره.

والخطاب الذي يريد البعض توجيهه للشعب السوري محاط بأسوار عالية من انعدام الثقة ... "الثقة" التي كسرها الإعلام قبل أن تهشمها السياسة، فالمسألة ليست كشف الفساد أو الانقضاض على الخطاب العروبي والسوري القومي أو حتى الأممي .. إنها احتكار للوقت للتخلص من الخطيئة التي يعتقد البعض أن طالت التواجد السوري في لبنان، بينما كانت تتراكم على علاقات القبائل وصراع الأفخاذ والبطون.

الشعب السوري يعرف تماما تفاصيل السنوات السابقة، وهو أيضا منغمس في نفس المعاناة التي تتحدث عن السيادة، لأنه منذ الاستقلال يدافع ضد التدخل السياسي والاحتكار الإقليمي والأحلاف وغيرها .. ولا يحتاج أيضا لشرح في التاريخ لأنه يدرس في المناهج المدرسية تفاصيل حول لبنان وسورية، ويعرف أن الوجود اللبناني ليس غلطا تاريخيا يجب تصحيحه، لأنه تعرف للبنان منذ الزمن العثماني كمحطة للنهضة ...

المجتمع السوري ربما لا يستطيع الاقتناع بأن معاناته اصبحت خطيئة .. وتنوعه ويل .. وسوريته عقوبة تفرضها الفوضى البناءة ....