كان يمكن لأحداث تشرين الأول 2000 ان تشكل مدخلاً لحصول انفراج في بنية العلاقات بين المواطنين اليهود والعرب في إسرائيل. فالاضطرابات ومقتل 13 مواطناً في اعقابها جعلت غالبية الإسرائيليين تدرك أن الخطوة المتطرفة وحدها قادرة على رأب الصدع. وقد كانت لجنة التحقيق الرسمية مثالاً صحيحاً لمثل هذه الخطوة. لكن المشكلة مع لجان التحقيق الرسمية تكمن في غياب قدرة الحكومة على التحكم بنتائجها ـ فالقاضي تيودور أور وأعضاء اللجنة قاموا على ما يبدو بعمل أوسع بكثير مما كان يريده من عينهم. وللمرة الأولى تعترف دولة إسرائيل على لسان هيئة حكومية رسمية قضائية، أنها تنتهج التمييز الشديد ضد قطاع كامل.

حددت لجنة أور أن معالجة أمور الوسط العربي شابها الاهمال والحرمان لسنين طويلة ـ غياب البنى التحتية، غياب رخص الخطط الهيكلية للبناء، التمييز سلباً في مجالات التعليم والصحة وغيرها. إضافة إلى ذلك وجدت اللجنة عيوباً شديدة في سلوك الشرطة والمستوى السياسي أثناء الأحداث. على هذا الأساس أوصت اللجنة بفتح تحقيق جنائي ضد الضباط والشرطيين، للاشتباه بتنفيذ مخالفات جنائية أثناء تفريق المظاهرات.

تعاملت الدولة مع التقرير كما لو انه ضيف غير مرغوب به يتعين إبعاده بأسرع وقت ممكن. وهي دفنت الخلاصات السياسية بواسطة اقامة لجنة لبيد، التي قللت من حدة الخلاصات العامة. أما الخلاصات المتعلقة بالفشل العملاني فنقلت إلى قسم التحقيق مع رجال الشرطة. وهذا الأسبوع تبين أن هذه الوحدة قامت أيضاً بتكريس معظم جهودها لإعادة الهيبة إلى الشرطة أكثر مما عملت على التحقيق في الأحداث.

تدعي وحدة التحقيق مع رجال الشرطة غياب التعاون معها من قبل عائلات القتلى. هذا ادعاء باطل كان يستحسن عدم ذكره بتاتاً. فعندما كنت مدعية عامة في المنطقة الجنوبية بين عامي 1988 ـ 1990، أجريت مئات التحقيقات بخصوص حالات قتل في ظل الغياب الواضح لأي تعاون من جانب السكان الفلسطينيين. لكن هذا الأمر لم يمنعنا في الحالات المناسبة من الطلب والحصول على أوامر لتشريح الجثث وحتى اخراجها من القبر، سواء وافقت العائلة أم لم توافق. التشريح يشكل مصدراً أول لتحديد السلاح الذي اطلقت منه العيارات النارية القاتلة وهو أمر يفرضه الواقع. لكن، إذا تعذر التحديد الدقيق لسبب الموت، في غياب التشريح، فانه ليس هناك ما يمنع تقديم لائحة اتهام على خلفية التسبب بالأذى. ذلك انه لا خلاف على ان القتلى الثلاثة عشر اصيبوا بطلقات نارية. وفضلا عن ذلك، يشتكي المحامي شبيرو من غياب الادلة، وهنا يسأل السؤال التالي: أين هي الأدلة وأين اختفت؟ أين كل الأسلحة التي اطلقت النار منها؟ أين التوثيق الميداني؟ وإذا كانت كل هذه الأمور غير موجودة، فمن الذي أخفاها أو ارتكب الاهمال في تحضيرها؟ وهل جرى التحقيق في امكانية تشويش مسار المحاكمة؟ أم أن وحدة التحقيق اكتفت بالقول أنه كان يوجد على ما يبدو أدلة لكنها لم تعد موجودة؟

فوق كل شيء يقف القرار الغريب باغلاق ملف التحقيق ضد المفتش اليك رون بشأن اطلاق نيران القناصة في أم الفحم. فاطلاق النار هذا تسبب بمقتل شخص واحد وجرح سبعة آخرين، وقد حددت لجنة أور كحقيقة ان اطلاق النار هذا حصل خلافا للاجراءات المتبعة في الشرطة، والسؤال هو، هل كان ثمة مبرر للخروج عن الأوامر. هذه قضية يمكن للمحكمة وحدها الحسم فيها.

كان يجدر إخراج التحقيق من يد وحدة التحقيق مع الشرطة ونقلها إلى جهة مستقلة. مثل هذا التحقيق كان سيحصل بشكل علني، وكان سيتضمن اخراج الجثث وتشريحها وكان يمكن أيضاً انقاذ ثقة الجمهور بالجهاز القضائي.

مصادر
يديعوت أحرنوت (الدولة العبرية)