كانت بضع طلقات من صور للحياة ... وهي اكتمال لتراجيديا تعود إلى "العهد السوري المتأخر" .. فربما لا نستطيع عبر أي حفر معرفي اكتشاف لون الويل الذي يدفع الطلقات .. لكنني أتصورها على شاكلة استمرار لطرق متعرج لا يقودنا نحو القتل .. بل الانتحار.

هل تأكد أحد من طبيعة الطلقات التي اخترقت جسد هدى .. أو عاين السكين التي سفحت دمها .. معاينة أداة الجريمة ليست عمل المخبر الجنائي بل هي مهمة ثقافية بامتياز، لأن القتل استكمال لما نقوم به يوميا داخل أزقة المدن أو في القرى المنسية من الجزيرة وحتى حوران.

لماذا ينتابني الذعر من أن القتل اصبح عادة يومية .. فما الغرابة في قتل هدى بعد أن قتلنا "البيئة" و "الحداثة" و "البراءة" في وجوه إناث المستقبل؟

القتل عادة يومية تقودنا مباشرة نحو عمليات النحر المفضوحة التي مورست ضد هدى .. وإذا كان البعض يبحث داخل القانون فإنني أريد نبش التفاصيل بدء من "قتل" الوقت ووصولا لممارسة القنص بالسيارات داخل شوارع المدينة. فمن يقتل المدن لن يعجز عن سفك دماء النساء، ومن يستطيع نحر هزيمته التاريخية والعيش في الظلال سيستمتع حتما بقتل النساء فهن ذاكرة الجواري والسبايا.

وعندما يصلني الخنجر الذي اخترق "هدى" أراه يتشكل في كل لحظة، وأرى حامله في ألف وجه أقابله يوميا في الشوارع التي ملت سكانها .. وأتذكر ديوان نزار قباني "يوميات امرأة غير مبالية" لأنه كان يستبق عمليات النحر التي غدت عرفا وفورة دم وحق شخصي ضد كل شيء .. ولكن النساء في المقدمة.

منذ اليوم سيصبح البحث عن سلاح الجريمة صعبا؛ لأننا قررنا عدم الاعتراف بأننا نمارس القتل اليومي عبر ثقافة تنتمي لزمن القبيلة ... فقبل أن نقتل الأنوثة المتجسدة في جسد امرأة قتلنا أنوثة المدينة والوقت و ..... والقائمة تطول ... وشكرا لهدى لأنها تذكرنا كل يوم بما نحمله من ظلام داخلنا.