لم تكن كلمات الهجاء التي وجهها ادم ايرلي، الناطق باسم الخارجية الأمريكية، الأسبوع الماضي ضد النظام السوري كلمات صريحة. فقد وصف سوريا في ظل الرئيس بشار الأسد " بالمثيرة للمشاكل"،

واتهم البلد بأنها "عنصر عدم استقرار" في المنطقة وصور محاولات سورية لإغلاق الحدود مع العراق بأنها مجرد "استعراض لعمليات هزيلة" منظمة من قبل السلطات في دمشق.

تهجم ايرلي على سوريا جاء بعد أسبوع من توجيه واشنطن خطاباً قاسياً للرئيس السوري. وكان أول من بدأ هذه النغمة القاسية هو سفير أمريكا في العراق قاله زلماي خليل زاد وذلك من خلال تحذيره لسوريا بقوله"لقد نفد صبرنا منها" موقعاً اللوم على دمشق لأنها حولت نفسها إلى نقطة محورية للإرهابيين العالمين الذين يقصدون العراق.

وبعده جاء الرئيس بوش، الذي صرح بأن "الحكومة السورية ستواجه المزيد والمزيد من العزلة".
وأخيراً جاءت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس وضمت صوتها إلى الكورس قائلة بأن ما صدر عن الحكومة السورية في الماضي يظهر بأنها قادرة على إغلاق حدودها مع العراق- لذا فقد حان الوقت لإيقاف ما سمته "اللعبة" وهي تقصد السماح للإرهابيين بالعبور إلى العراق وتنفيذ اعتداءات إرهابية ضد الأمريكيين والعراقيين.
أسبوع الضغط الأمريكي هذا بلغ ذروته في الاجتماع الذي انعقد بين القادة العرب والأوربيين وذلك لمناقشة "المشكلة السورية". ولم يكن الهدف من هذا الاجتماع الوصول إلى اتفاق على أفعال تتعلق بسوريا، بل لتعميق إدراك القضية وزيادة الضغط ضد الأسد.

لم تكن سوريا تتوقع أن ينتهي الأسبوع بهذا الشكل. فقد خطط القادة السوريون لاستخدام مؤتمر الجمعية العامة للأمم المتحدة كخلفية تعرض من خلالها للعالم الوجه الجديد لسوريا.
وعندما سئل خليل زاد حول احتمال استخدام القوة العسكرية ضد سوريا، أجاب السفير" جميع الخيارات على الطاولة" ولكن إذا نظرا عن قرب لوجدنا أن الطاولة الأمريكية تقريباً عارية والخيارات نادرة.

إن استخدام القوة العسكرية ضد سوريا لتغيير نظام الأسد أمر مستحيل تقريباً. فالولايات المتحدة لديها قدرة على تغيير الأنظمة كإدارة واحدة، ولكن ينقصها الإرادة، القوة، والدعم الشعبي للقيام بمثل هذه الخطوة. لذا يصبح خيار استخدام القوة العسكرية محدوداً، فقد يقتصر على عمليات بسيطة تتم على طول الحدود المشتركة، وربما عبور الحدود والدخول إلى الأراضي السوري في حالات الضرورة- ومع ذلك تبدو مثل هذه العمليات بعيدة الاحتمال عن نهج واشنطن تجاه سوريا. لأن أي عمل عسكري، مهما كان بسيطاً، سيكون بمثابة إشارة لدمشق أكثر منه تهديداً حقيقاً. وهذا يعتبر أسلوباً فيه الكثير من المجازفة في مثل هذه المرحلة من النزاع.
هناك خيار أخر، وهو أيضاً مستبعد جداً، وهو قيام الولايات المتحدة بلعب دور فعال في تغيير النظام في سوريا، وذلك من خلال دعم وتشجيع جماعات المعارضة فيها.

ولكن هذا أيضاً ينطوي على الكثير من المجازفة وذلك لما فيه من عوامل تدمير فعالة لن يقبل بها الشعب الأمريكي بسهولة. كما أنه لا يبدو واضحاً أن هناك جماعات معارضة في سوريا مستعدة للظهور في هذه الظروف. وفوق كل ذلك، هناك الخطر الدائم من أن يتسبب رحيل الأسد بوصول الحرس القديم إلى السلطة.

وهكذا تبدو العقوبات هي الخيار الوحيد المتبقي، ولكن حتى هذه ليس من السهل تطبيقها. فالولايات المتحدة أرهقت هذا الشارع بقانون محاسبة سوريا وبالنتائج التي صدرت عن وضعها على لائحة الدول الداعمة للإرهاب من قبل الخارجية الأمريكية. صحيح أن القانون يخول بوش لانتقاء خيار فرض عقوبات أكثر صرامة على سوريا، ولكن هذا أيضاً لن يكون له ذلك التأثير الكبير.
د.سكوت ليزنسكي من معهد أمريكا للسلام، والذي بحث في مسألة استخدام أمريكا للعقوبات في الشرق الأوسط، قال بأنه على الرغم أن استخدام العقوبات مع سوريا يبدو أداة هزيلة، إلا أنه يجب عدم تجاهلها. " إن تأثير العقوبات لا يقاس بالمفاهيم النفعية فقط. فالعقوبات تستخدم أيضاً لإيصال رسالة، تماماً كما حدث في العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ضد سوريا العام الماضي. فهذه العقوبات جعلت بشار الأسد يفهم أن الولايات المتحدة جادة فيما تفعله".

الطريقة الوحيدة التي تجعل دمشق تشعر حقاً بوطأة العقوبات على مؤسساتها الاقتصادية والعسكرية هي أن تقوم الولايات المتحدة بإقناع الدول الأوربية بالانضمام إلى حملة جهود عالمية لفرض العقوبات ضد سوريا. ففي حال قامت الدول الغربية والأوربية بحد علاقاتها التجارية مع سوريا، سيكون تأثير العقوبات أقسى بكثير.
إن الولايات المتحدة تخطو خطواتها الأولى في جذب انتباه أوروبا للقضية السورية ولكنها لم تثر إلى الآن خيار العقوبات. قال مصدر دبلوماسي في واشنطن الأسبوع الماضي أن الإدارة الأمريكية ما تزال تعتقد بأن تطبيق ضغط عالمي قوي، دون فرض عقوبات حقيقية، لن يكون كافياً لإرغام الأسد على تغيير أسلوبه على الأقل في بعض القضايا.

ولكن ليس هناك أسباب وجيهة لهذا الاعتقاد. فبعد اغتيال الحريري، أثبتت سوريا بأنها ضعيفة أمام الضغط العالمي حيث وافقت على الانسحاب من لبنان. وهذا الشهر أيضاً، أعلنت السلطات في دمشق بأنها على استعداد كامل للتعاون مع محقق الأمم المتحدة الخاص بشأن اغتيال الحريري، وذلك بعد ازدياد الضغط العالمي عليها.
ولكن حتى لو كان الافتراض القائل بأن سوريا عرضة للتأثير الخارجي ومستعدة لتقديم التنازلات عند الضرورة صحيحاً، فإنه ما يزال صعباً على الولايات المتحدة أن تسلك هذا الطريق، وذلك يعود بشكل رئيسي إلى أنه ليس من أحد يعرف كيف سترد دمشق على هذه الضغوطات.

في الأسبوع الماضي ذكرت مصادر دبلوماسية أوروبية في واشنطن أنه لا يوجد اختلافات حقيقة بين أوربا والولايات المتحدة بشأن سوريا. فأوربا هي الأخرى ترغب بأن يتم إغلاق الحدود العراقية السورية. وترغب أيضاً بالعثور على قاتل الحريري، ومهتمة بقمع اعتداءات حزب الله ضد إسرائيل.

ولكن التفاوت يقع فقط في الأولويات. ففي الوقت الذي ترى فيه الولايات المتحدة أن الأولوية العليا يجب أن تعطى لمشكلة إغلاق الحدود العراقية السورية، يرى الأوربيون، خاصة فرنسا، أن أهم قضية هي إتمام التحقيقات في قضية مقتل الحريري ومحاكمة المتهمين.
في الوقت الراهن، تبدو أمريكا مستعدة لاستخدام أي قضية من أجل الضغط على سوريا، وفي حال كانت قضية اشتراك سوريا في مقتل الحريري هي القضية الوحيدة التي ستكسب بها دعماً عالمياً، لن تتواني عن استخدامها.

بالنسبة للإستراتيجية الأمريكية، يبدو الحفاظ على الضغط مطبقاً على نظام الأسد الهدف الأهم، بغض النظر عن السبب الذي يقع وراء هذا الضغط. في حال أحسّ الأسد أن العالم متحد ضده، سيبحث عن طرق لتخفيف هذا الضغط. ومن ثمّ، قد يختار القيام بإغلاق حدوده مع العراق للحصول على دعم أمريكا له، ولو لبرهة على الأقل.

مصادر
جيروزاليم بوست (الدولة العبرية)