النائب العربي في الكنيست الإسرائيلية عزمي بشارة، شخصية جذابة وإشكالية على أكثر من صعيد. فابن مدينة الناصرة المولود في العام 1956 هو، في الجانب السياسي، الناشط في شبابه في صفوف الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وعضو الكنيست الإسرائيلية منذ العام 1996، ورئيس التجمع الوطني الديموقراطي ذو التوجه القومي العربي، لكنه في الآن نفسه الباحث الأكاديمي الحامل شهادة دكتوراه في الفلسفة من جامعة هومبولد في برلين الشرقية، وأستاذ الفلسفة في جامعة بيرزيت من العام 1986 إلى العام 1996، وأحد مؤسسي المعهد الفلسطيني للدراسات الديموقراطية مواطن في رام لله، ومدير الأبحاث في معهد فان لير في القدس من سنة 1990 حتى سنة 1996. عزمي بشارة هو أيضاً الكاتب الدؤوب للمقالات الصحافية وصاحب المؤلفات والأبحاث الأكاديمية، نذكر منها مجموعة كتبه عن المجتمع المدني والعرب في إسرائيل والانتفاضة والخطاب السياسي المبتور ويهودية الدولة، هذا بالإضافة إلى صدور روايتين له، واحدة بعنوان الحاجز وأخرى بعنوان حب في منطقة الظل.

يجمع عزمي بشارة في شخصه، المنصب السياسي (نائب في الكنيست)، النضال ضد عنصرية الدولة الصهيونية واحتلالها الأراضي الفلسطينية والعربية، البحث الأكاديمي الجامعي، إلى الصحافة اللاذعة والكتابة الروائية الناشئة، إلى المثقف النقدي والمتحدث التلفزيوني الدائم الحضور على شاشات الفضائيات العربية.

المثقف والسياسي

إذا كانت علاقة المثقف بالسياسي إشكالية منذ دونتها الثقافة العالمة من خلال قصة أفلاطون مع تلميذه حاكم سرقسطة، مروراً بولادة مفهوم المثقف في العصر الحديث مع إميل زولا وقضية دريفوس، ونماذج المثقف العضوي مع غرامشي والمثقف الملتزم مع سارتر والمثقف الاختصاصي مع فوكو والمثقف النقدي مع بورديو وإدوارد سعيد...إلخ، فإن علاقة المثقف عزمي بشارة مع السياسي عزمي بشارة خاصة واستثنائية، حتى أن من الصعوبة بمكان إيجاد مكافئ لها في أمكنة أو أزمنة أخرى.

فعزمي بشارة، كأكاديمي ومثقف، لم يكتف بتسجيل المواقف السياسية ضد الاحتلال الإسرائيلي وضد التفرقة العنصرية في حق فلسطينيي الـ 1948، بل استند إلى رأسماله الأكاديمي وعلاقاته السابقة مع الحزب الشيوعي الإسرائيلي للتحول من مثقف يسجل المواقف السياسية إلى رجل سياسة يمتهن السياسة من خلال دوره كزعيم حزب وعضو في الكنيست الإسرائيلية نائبا عن الأقلية الفلسطينية داخل إسرائيل. في الكنيست جمع عزمي بشارة بجدارة بين السياسة كمهنة والسياسة كنضال، ولم يأل جهداً من أجل تعرية عنصرية مؤسسات الدولة اليهودية من داخل هذه المؤسسات، مستفيداً من الحصانة البرلمانية ومتعرضاً في الآن نفسه إلى الكثير من الاضطهاد السياسي ومحاولات الإقصاء عن الحقل السياسي. وإذا كان نضال عزمي بشارة من أجل حقوق عرب الـ 1948 كجماعة قومية فلسطينية متمايزة داخل الدولة اليهودية وتأييده القضية الفلسطينية ودفاعه عن الحق المشروع في المقاومة، قد أعطته مجتمعة الكثير من التعاطف في الجانب الفلسطيني والعربي وجلبت إليه الكثير من العوائد الرمزية المرتبطة بالدفاع عن القضايا الكبرى والعادلة، فإنها في الآن نفسه جرّت عليه الكثير من العداء والعنصرية والتهميش من جانب النخبة الإسرائيلية الحاكمة.

لقد أحاطت بعزمي بشارة منذ لمع اسمه في العالم العربي هالة من التبجيل والإعجاب، مرتبطة ليس فقط بكتاباته الأكاديمية وجرأة مواقفه السياسية في إسرائيل، ولكن أيضاً بأحقية القضية التي يدافع عنها. من هنا فإن مسؤوليته في الحفاظ على هذا التوازن الدقيق بين المثقف والسياسي أصبحت مسؤولية مضاعفة، ليس فقط من أجل أن لا تبتلع براغماتية السياسي نقدية المثقف، ولكن حتى لا تسيء هذه البراغماتية إلى عدالة القضية التي يدافع عنها وتنال من بعدها الأخلاقي. وهذا بالضبط ما فشل عزمي بشارة فشلاً ذريعاً في صونه والحفاظ عليه من خلال العلاقات السياسية التي نسجها مع بعض الأنظمة العربية الحاكمة على حساب الشعوب المحكومة، ومن خلال تفضيله المتزايد للعب دور السياسي على حساب دور المثقف عندما يتصل الموضوع بالعلاقة مع هذه الأنظمة. وهذا ما سنحاول أن نتناوله من خلال عرضنا لبعض جوانب العلاقة التي تربطه بالنظام السوري، ومدى تأثير ذلك على مواقفه المؤيدة لسياسات هذا النظام والمتقاعسة في الآن نفسه عن مساندة قضايا الديموقراطية وحقوق الإنسان في هذا البلد.

الطريف أن إشكالية هذه العلاقة حضرت حتى في حفل التكريم الذي أقيم في برلين بتاريخ 14/12/2002 لمناسبة نيل عزمي بشارة جائزة ابن رشد للفكر الحر. فالبروفسور الألماني الكسندر فلوريس لم يستطع في كلمته الترحيبية إلا أن يشير إلى إشكالية هذه العلاقة الملتبسة مع النظام السوري حيث قال: لقد ساهم عزمي بشارة في العديد من الكتب والأَبحاث العلمية والأطروحات المختلفة بدعم الديموقراطية وتوسيع آفاق المجتمع المدني في الدول العربية. هذا وقد أزعج حركات المعارضة العربية تقربه من الحكومات العربية، التي ليس لَها أي علاقة طيبة مع الديموقراطية وبناء المجتمع المدني. والدليل الملموس على هذا الموقف علاقاته مع الحكومة السورية. أنا لا أريد هنا أن أقوّم هذه العلاقة أو أحللها، بل أن اذكّر فقط بأن المثقف الذي يريد المشاركة سياسياً يتحرك في الضرورة في حقل من الأَلغام. إن المثقف النقي يستطيع أيضاً الحفاظ على نقاء مبادئه. والسؤال الذي يطرح، هل يفعل ذلك كل المثقفين؟

إذا كان البروفسور الألماني اكتفى بطرح هذا السؤال من دون تقديم إجابة شافية، فلنحاول من جانبنا أن نرى هل نجح عزمي بشارة في عبور حقل الألغام هذا؟

زيارات سوريا

في أعقاب موافقة مبدئية من الرئيس السوري بشار الأسد، نظم النائب عزمي بشارة زيارات مؤثرة على مدى العامين 2000 و2001 لفلسطينيين مسنين من عرب الـ 1948 للقاء أقاربهم في سوريا بعد فراق دام أكثر من خمسين عاماً. بدوره زار عزمي بشارة سوريا بتاريخ 1062001 للمشاركة في حفل التأبين السنوي للرئيس الراحل حافظ الأسد في مدينة القرداحة مع العديد من القادة والشخصيات السياسية وفي مقدمهم الأمين العام لـ حزب الله الشيخ حسن نصر الله. وظهر بشارة على شاشات التلفزة إلى جانب نصر الله وألقى كلمة أشاد فيها بـبطولة المقاومة اللبنانية ودعا إلى توسيع حيزها من خلال موقف عربي موحد وفاعل دولياً. وفي سياق كلمته تطرق إلى رحيل الأسد وقال في هذا السياق: انطوى عام على رحيل حاضر إليه تلفت وإليه خفق ولا عجب سورية.... فإنني ابن هذا الوطن آت لأننا كلنا في الهم شرق، آت إلى مهد العروبة وسادتها إلى سوريا يسلم الراية المقدسة جيل لجيل وتخفق عالية فستظل بغيثها وتنسم أمجاد قوميتها... اخترت أو انتقيت أن أذكر أن خصوم الراحل الكبير حافظ الأسد وأصدقاءه قد اعترفوا له في حياته باستثماره المثابر والعنيد للعقل في السياسة والعقل ضد الجهل... نحن يا سيادة الرئيس نتابع وأيدينا قابضة على الجمر، جهودكم الجبارة في تحديث الاقتصاد وإصلاح الإدارة ونعدها مهام قومية وهذه لست استعارة لغوية، وقلوبنا الدامية معكم ونحن نتابع جهدكم القومي المباشر لتنسيق المواقف العربية المشتتة (نص الكلمة موجود في كتاب عزمي بشارة القضية والمحاكمة ، قدس للنشر 2003).

ما هي إلا أشهر على هذه الواقعة حتى صوّتت الكنيست الإسرائيلية بتاريخ 7112001 على رفع الحصانة عن النائب عزمي بشارة وقدمت لائحة اتهام ضده على خلفية زيارته سوريا وكلمته في القرداحة ومديحه المقاومة وظهوره إلى جانب الأمين العام لـ حزب الله وتنظيمه زيارات متتالية لفلسطينيي الـ 1948 لرؤية أقاربهم في سوريا.

تمت محاكمة عزمي بشارة طليقا وشكلت في فلسطين ومعظم الدول العربية لجان للتضامن معه، وبتاريخ 142003 أسقطت المحكمة الإسرائيلية لائحة الاتهام عن بشارة في خصوص زيارات الأقرباء إلى سوريا، وتم السماح له بالمشاركة في الانتخابات النيابية للعام 2003 ولا تزال المحكمة العليا الإسرائيلية تنظر هل تسري حصانة النائب بشارة أم لا على خطابه في القرداحة.

الجرأة الأخلاقية

في افتتاحية جريدة السفير في 28 شباط من العام 2002 كتب الزميل والصديق جوزيف سماحة مقالاً تضامنياً مع عزمي بشارة تحت عنوان تضامنوا بالخير تجدوه، بالتزامن مع بدء المحاكمة الإسرائيلية للنائب العربي. جوزيف سماحة كتب مقاله هذا، ليس فقط لاقتراح مقاربة تضامنية أكثر إفادة بقضية عزمي بشارة، ولكن أيضاً لنقد حملات التضامن الفولكلورية التي انتشرت في بعض الدول العربية ولاستمرار منع بشارة من دخول لبنان (دخله للمرة الأولى معزياً بالرئيس الحريري).

في سياق المقال نفسه، طرح سماحة السؤال الآتي: هل يمكن التضامن مع عزمي بشارة، الذي فضح زيف الادعاء الديموقراطي في إسرائيل، من دون امتلاك الجرأة الأخلاقية للقول بأن ما فعله هو، عملياً، فضح حدود هذه الديموقراطية ليس أكثر. إن هذه الجرأة تفضي إلى الاعتراف بأن إسرائيل تقوم بمحاكمة لخصم لدود لها أفضل من محاكمات سياسية يتم السكوت عنها وتجري في بلداننا لمواطنين لا يمثلون مثل هذا الخطر. لا يمثلون أي خطر. لا بل يملكون مساهمات يمكنها أن تكون زاداً في المواجهة.

إذا أردنا توسيع الجرأة الأخلاقية التي تحدث عنها بحق جوزف سماحة فإن ما كان يقصده بـ المحاكمات السياسية في بلداننا... من دون أن يذكر بالاسم الصريح لا البلدان ولا السجناء المعنيين بقوله هذا، فإن اللبيب يفهم أن المحاكمات السياسية هي محاكمات ربيع دمشق التي كانت تنظر في أمر قائمة من السجناء، في مقدمها رياض الترك وعارف دليلة والنائبان رياض سيف ومأمون الحمصي، الذين كانوا يحاكمون آنذاك أمام المحاكم السورية بتهمة التعدي على الدستور الذي ينص على أن حزب البعث هو الحزب القائد للدولة والمجتمع. لقد حوكم هؤلاء من وراء القضبان في الفترة التي حوكم فيه بشارة طليقاً في إسرائيل. وأطلق سراح الترك بعد عام ونيف وأبقي الثلاثة الآخرون لتمضية فترات سجن بين خمس سنوات للنائبين سيف والحمصي، وعشر سنين للاقتصادي عارف دليلة. إلى يومنا هذا، لا يزال هؤلاء الثلاثة والكثير من معتقلي ربيع دمشق خلف القضبان، في حين لا يزال عزمي بشارة يلتزم الصمت في خصوص هؤلاء الناشطين ويمتنع عن التضامن معهم أو المطالبة بإطلاق سراحهم في وقت لا يتوقف عن الدفاع عن النظام السوري، ليس فقط في وجهه الهجمة الشرسة والظالمة التي يتعرض لها من أميركا واسرائيل، ولكن أيضا في ما يخص الوضع الداخلي وسياسة النظام في لبنان. يكفي في هذا المجال أن نذكر ما صرح به بتاريخ 30122001 للصحافي علي واكدد في الموقع العربي لصحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية وذلك بعد اقل من شهرين على انقضاض السلطة على تحرك ربيع دمشق وسجنها العديد من رموزه. قال عزمي بشارة: انه على الرغم من الادعاءات حول بطء الدمقرطة، إلا أنه في سوريا الأسد الابن يوجد انفتاح سياسي وتنظيمات سياسية جديدة بدأت العمل .

الفضيحة المزدوجة

لقد سبق لجوزيف سماحة في المقال المذكور، أن كتب محقّاً الآتي: عزمي بشارة فضيحة يومية لإسرائيل. وهو كذلك لأنه يصيبها في نقاط مؤذية كثيرة. بينها، طبعاً، طرحه المسألة العربية ضمن حدود 1948 كقضية قومية وليس، فقط، كموضوع مساواة اجتماعية. وبينها تبخيس ادعاءاتها الديموقراطية. وبينها، أيضاً، تقديم صورة عن سياسي عربي يجمع إلى الحس التكتيكي البعد الإستراتيجي، والثقافة الواسعة، والنزاهة الشخصية.

لكننا إذا أردنا أن نذهب بالجرأة الأخلاقية التي تحدث عنها سماحة إلى نهايتها، فعلينا أن نقول إن وجود النائبين رياض سيف ومأمون الحمصي إلى هذه اللحظة وراء قضبان السجن السوري فضيحة يومية للنائب الطليق في إسرائيل عزمي بشارة. وهما كذلك لأنهما يصيبان بوجودهما ظلماً في السجن، الأطروحات التي يدافع عنها عزمي بشارة في نقاط مؤذية كثيرة، وخصوصاً في ظل صمت النائب بشارة عن الظلم الواقع على النائبين السوريين وامتناعه عن التضامن معهما. هذا في وقت لم يأل النظام السوري جهداً في إطلاق حملات التضامن مع النائب بشارة إلى درجة دفعت بوزير العدل السوري إلى إعطاء أوامره إلى المحامين والمحاكم السورية بالتوقف عن المرافعة لمدة ساعة كاملة من يوم الأربعاء 27 شباط 2002 استجابة لنداء نقابة المحامين تضامنا مع النائب بشارة، هذا في وقت كانت المحاكم السورية ومحكمة أمن الدولة لا تزال تنظر في قضايا معتقلي ربيع دمشق .

رغم أن قرار التضامن مع عزمي بشارة جاء من جانب السلطة والمقربين منها فإن معظم المحامين المعارضين والناشطين في مجال حقوق الإنسان انضموا إلى هذا التضامن وامتنعوا عن الترافع لا تأييداً للسلطة ولا قبولاً بمواقف عزمي بشارة منها، لكن تأييداً لدوره ومواقفه داخل إسرائيل. لا بل أن النائب المعتقل مأمون الحمصي ومن خلف قضبان السجن أعلن تضامنه مع عزمي بشارة وسلّم ابنه في المحكمة ورقة جاء فيها: من غرفتي في سجن عدرا أعلن تضامني وتأييدي للنائب عزمي بشارة الذي أحبه وأحترمه، ولقد كان لي شرف لقائه أثناء وجوده بين أهله في مدينة القرداحة أثناء تأبين الراحل الكبير حافظ الأسد، رحمه الله. وكم سررت لهذا التضامن العالمي والعربي مع هذا المناضل، ولو أني استغربت من البعض البيانات الرنانة التي تحدثوا فيها عن حصانة النواب وعن الخرق لحقوق الإنسان، كأن هذا الأمر لا يعني سوى حدود فلسطين، وأن ما يقومون به في حق أوطانهم وسلوكهم تجاه شعوبهم مباح لهم عبر عشرات السنين .

تناقضات المثقف

في مقال له بعنوان المثقفون والانحطاط السياسي بتاريخ 2462003 (موقع الحوار المتمدن على شبكة الانترنت)، يساجل عزمي بشارة بعض المثقفين المؤيدين للحرب على العراق، لكنه ينتقد في الآن نفسه المثقفين المؤيدين لصدام حسين ويقول في هذا: من الصعب أن نعثر بين مؤيدي نظام صدام حسين على من يؤيد الديموقراطية وحقوق الإنسان والمساواة والحرية والعدالة الاجتماعية كقيم، أو ينحاز للمنهج العقلي في رؤية المجتمع وتنظيمه. وإذا كان من بين مؤيدي هذا النظام من يضمر في قلبه مثل هذه الأفكار فإن تأييده لنظام صدام يسخف ما يضمر.

هذا المنطق بعمقه يمكن استخدامه في أحد جوانبه، لتحليل العلاقة التي تربط عزمي بشارة مع النظام السوري، لكننا لن نستخدمه هنا لهذا الغرض، ليس بسبب الخلافات بين النظامين، ولكن لحرصنا على أن لا نسخف كل الأطروحات التي يحملها عزمي بشارة والتي نتقاطع مع الكثير منها، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بقضية فلسطين وبتجديد الفكر القومي. لكننا سنكرر من المقال نفسه جملة نراها مطابقة تماما لحالة النائب عزمي بشارة. يقول: لا يمكننا القول إن معارضة نظام صدام حسين نبعت من موقف ديموقراطي عموماً، كما لا يمكننا القول إن معارضة الحرب ضد صدام حسين كانت معادية للديموقراطية ولقضية الديموقراطية في المجتمع العربي عموماً. ولكن هذا لم يعف، ولا يعفي أي مثقف ديموقراطي أو مدّعي ديموقراطية أو حتى للتنور من اتخاذ موقف ضد هذا النظام... .

من هذا المنطلق، وعملاً بقاعدة من فمك أدينك، يحق لنا أن نسأل عزمي بشارة من أعفاه هو من اتخاذ موقف ضد التسلط في سوريا؟ ألم يسمع ببيانات زملائه من المثقفين السوريين التي أشارت كلها إلى الوجع السوري وطالبت بإلغاء حال الطوارئ وإطلاق الحريات السياسية؟ وكيف أعفى نفسه، وهو النائب الذي يحاكَم بتهمة زيارته لسوريا، من التضامن مع نائبين من البرلمان السوري مارسا دورهما التمثيلي والرقابي، فكانت النتيجة رفع الحصانة النيابية عنهما والحكم عليهما بالسجن خمس سنوات.

في كتاب صور المثقف يشير ادوارد سعيد إلى بعض الصفات التي يلتمسها في المثقف: تصوري للمثقف كمنفي وهامشي وهاو وخالق لغة تحاول قول الحق للسلطة. الغريب أن هذه الصفات بقدر ما يمكن أن تنطبق على عزمي بشارة في مواجهة السلطات الإسرائيلية، بقدر ما تنأى عنه وهو في أحضان السلطات العربية.

عزمي بشارة لك في قلوب الكثير من السوريين مكانة خاصة ترتبط بفلسطين القريبة البعيدة، وبدورك الثقافي والسياسي فيها. تذكّر هذا عند عبورك المقبل من الشام، وطلّق قليلاً بهاء القصور والتفت إلى منازل أهلها الطيبين وشاركهم لقمة العيش الكريم والثقافة الحرة، كما شاركوك هم لقمة فلسطين.

مصادر
النهار (لبنان)