واشنطن لا تستوعب الواقع العراقي... والأميركيون نجحوا في مواجهة "ريتا"

إلى أي مدى تتخبط إدارة بوش في بلاد الرافدين؟ وهل نجحت السلطات الأميركية في التعامل مع إعصار"ريتا"؟ وما هي أوجه الاختلاف بين العراق وأفغانستان؟ وماذا عن أصداء إعلان كوريا الشمالية التخلي عن أسلحتها النووية؟ تساؤلات نجيب عليها ضمن قراءة أسبوعية موجزة للصحافة الأميركية.

من "كاترينا" إلى "ريتا":

خصصت "واشنطن بوست" افتتاحيتها يوم الجمعة الماضي للإشادة بالاستعدادات والإجراءات الاحترازية التي سبقت إعصار "ريتا" الذي ضرب سواحل تكساس؛ فتحت عنوان "التنبؤ بريتا"، رأت الصحيفة، أن الجهات المعنية تمكنت خلال الثماني والأربعين ساعة التي سبقت الإعصار من إخلاء ساحل تكساس بنظام ودقة بالغين. ولأول مرة في تاريخ أميركا يتم تخصيص بعض الطرق السريعة لعملية الإخلاء بجعل اتجاه السير فيها اتجاهاً واحداً فقط، كما كانت قوات الجيش والحرس الوطني ووكالة الطوارئ الفيدرالية على أهبة الاستعداد. الصحيفة بررت هذه الاستعدادات الجيدة بالاستفادة من أخطاء السلطات الأميركية في مواجهة إعصار "كاترينا" الذي ضرب مدينة "نيوأورليانز" بولاية لويزيانا. لكن ثمة سبباً أخر يتمثل في أن ولاية تكساس كانت مستعدة أكثر، وهي أكثر غنى وأكفأ من الناحية الإدارية من ولاية لويزيانا. ومن أهم الدروس التي يمكن الاستفادة منها، حسب الصحيفة، أن قدرة السلطات الفيدرالية والمؤسسات الخيرية الخاصة على التعامل مع الكوارث تظل مقيدة بتصرفات السياسيين المحليين، لذلك، فإن أفضل خطط للطوارئ هي تلك التي تعتمد بشكل أساسي على هؤلاء السياسيين، إذ لابد من التعاون والتنسيق معهم وتدريبهم عند الضرورة.

"عراق بلا خداع":

هكذا عنونت "بوسطن غلوب" افتتاحيتها يوم السبت الماضي مؤكدة قناعتها بأنه "بدا واضحاً لدى صناع السياسات في إدارة الرئيس بوش أن تخبطهم في العراق هو الذي أدى في النهاية إلى الوضع الراهن في بلاد الرافدين، حيث القوات الأميركية غير قادرة على دحر التمرد، بينما أصبحت أجزاء من العراق على شفا حرب طائفية". أغلب أخطاء واشنطن تعود، حسب الصحيفة، إلى الفشل سواء في استيعاب أو قبول الحقائق العراقية كون الأخيرة لا تنسجم مع استنتاجات أو آمال إدارة بوش. والنتيجة المترتبة على هذه الأخطاء أن كثيراً من الأميركيين لا يجدون سبباً يجعلهم يضحون بأرواحهم داخل العراق، ما يفسر تنامي التظاهرات المناوئة للحرب في أميركا. هذا يعني أن القوات الأميركية تفتقر إلى مزيد من الجنود داخل العراق وإلى معلومات عن القبائل العراقية والتنظيمات السُنية في المحافظات العراقية. وثمة حقيقة مثيرة لفتت الصحيفة إليها الانتباه وهي أن كتائب الجيش العراقي مقسمة إلى كتائب سُنية عربية خالصة، وأخرى شيعية وكردية، والغريب أنه توجد كتيبة واحدة فقط من بين 115 كتيبة تشمل العناصر الثلاثة. وعلى الإدارة الأميركية تغيير استراتيجياتها العسكرية والسياسية لتتعامل مع الواقع العراقي كما هو. لكن "الواشنطن بوست" تبنت موقفاً آخر، ففي افتتاحياتها ليوم أمس الأحد رأت الصحيفة أن السبب الحقيقي لمشاكل العراق هو عدم اتفاق السُنة والشيعة والأكراد على مستقبل بلادهم، وهو ما بدا واضحاً في رفض قادة السُنة لمسودة الدستور.

بيونج يانج وخيار الرأسمالية:

في افتتاحيتها ليوم الخميس الماضي شككت "كريستيان ساينس مونيتور" في إعلان كوريا الشمالية التخلي عن برنامج الأسلحة النووية كون بيونج يانج تحاول ربط تنفيذها لهذا الإعلان بحصولها على مفاعل نووي يعمل بالماء الخفيف لإنتاج الطاقة الكهربائية، ما يعني أن كوريا الشمالية سيكون بمقدورها مواصلة إنتاج أسلحة نووية. الصحيفة طالبت الصين والولايات المتحدة وبقية الدول المشاركة في المحادثات السداسية بتذكير زعيم كوريا الشمالية كيم جونج إيل بأنه في حاجة إلى تنفيذ الإعلان، وتذكيره أيضاً بأن اقتصاد بلاده القائم على النهج الستاليني يواجه الانهيار، وأن أبناء شعبه عرضة لمجاعة جديدة كتلك التي تعرضوا لها في منصف التسعينيات، والتي أودت بحياة مليوني كوري شمالي.

وفي عام 2001 تمت دعوة "كيم" لزيارة الصين، وشاهد تجربة بكين المتمثلة في أنه بمقدور النظام الشيوعي الاستمرار رغم تفعيل اقتصاد السوق، وبعد هذه الزيارة بعام أمر "كيم" بتحرير أسعار السلع والأجور وقام بتخفيف السيطرة الحكومية على رجال الأعمال، وخلال العام الماضي أصدرت كوريا الشمالية معجماً أشارت فيه للمرة الأولى إلى عبارة "اقتصاد السوق"، وهي عبارة يطلقها الشيوعيون على الرأسمالية. وكي تنخرط "بيونج يانج" في الرأسمالية وتجذب الاستثمارات الأجنبية، عليها أن تتخلى عن سياستها النووية وعن استراتيجية الاعتماد على الذات، ويبدو أن ذلك صعب على الرئيس الكوري الشمالي الذي تعود على تضليل شعبه.

"الاختلاف الأفغاني":

تحت هذا العنوان خصصت "نيويورك تايمز" افتتاحيتها يوم الخميس الماضي للمقارنة بين أفغانستان والعراق، مشيرة إلى أن البلدين قد قامت أميركا بغزوهما وأطاحت بنظامي الحكم فيهما، كما تم تغيير دستورهما بمساعدة دبلوماسيين أميركيين، وتوجد لديهما قوات أجنبية، لكن الوضع في بلاد الرافدين يقترب من سيناريو الحرب الأهلية، بينما نجحت أفغانستان، خلال الأيام القليلة الماضية، في إجراء انتخاباتها البرلمانية. العراق لا يستطيع الدفاع عن نفسه دون القوات الأميركية، أما الأفغان، فيقولون إن الوقت قد حان كي توقف الولايات المتحدة معظم عملياتها العسكرية داخل الأراضي الأفغانية.

صحيح أن أحداً لا يستطيع الاستهانة بالمشكلات الأفغانية الخطيرة؛ كمواصلة فلول "طالبان" هجماتهم على القوات الأميركية وغياب البنى التحتية وتهريب المخدرات، لكن ليس باستطاعة أحد إنكار كثير من مؤشرات التقدم الإيجابي على الساحة الأفغانية. أما في العراق، فنجد أن أعضاء إدارة بوش هم فقط الذين يدعون أن ثمة مكاسب وتطورات إيجابية في العراق. وعلى الرغم من التنوع العرقي والاضطراب السياسي اللذين تشهدهما أفغانستان، فإن هذا البلد لديه تاريخ طويل ومتواصل كدولة واحدة، وبمقدور التدخل الدولي تعزيز وتجديد هذه الدولة. وثمة سبب آخر يميز بين الحالة العراقية والحالة الأفغانية، يكمن في الدعم الدولي الكامل من الأمم المتحدة الذي شجع على تقديم العون المالي لهذا البلد، ومنح حكومته الجديدة شرعية دولية. الصحيفة أشادت بالرئيس الأفغاني حامد قرضاي الذي نجح في التعامل مع قضايا بلاده الداخلية والخارجية، والذي لا يتردد عند الضرورة في توجيه النقد لأميركا وباكستان. وحسب الصحيفة، ثمة فرصة يستطيع من خلالها العالم تقديم العون لأفغانستان، خاصة عبر الضغط على الرئيس الباكستاني برويز مشرف كي يوقف نشاط فلول "طالبان" داخل الأراضي الباكستانية.

مصادر
الاتحاد (الإمارات العربية المتحدة)