اكتسب ما اعلنه الناطق باسم الرئاسة المصرية السفير سليمان عواد اثر زيارة الرئيس السوري بشار الاسد لمصر الاحد الماضي ولقائه نظيره المصري حسني مبارك اهمية، ليس من حيث تأكيده رفض مصر "عزل سوريا" فحسب بل عبر الموقف المكمل له، اذ قال ان مصر ابلغت الى العواصم العالمية المعنية ان زعزعة استقرار سوريا ستكون لها تأثيرات سلبية كبيرة على استقرار المنطقة، مكررا اكثر من مرة ان المنطقة مليئة ببؤر التوتر وهي ليست في حاجة الى المزيد. هذا الاعلان في خضم القراءات حول الاستهدافات المحتملة تقود الى خلاصة مفادها ان العمل جار لتحييد النظام السوري، اذ ان الصورة الاقليمية المكملة لما قاله المسؤول المصري مبنية على تطورات مأسوية في العراق واخرى مضطربة ومأسوية نسبيا ايضا في فلسطين ومثلها ايضا في لبنان على وقع تفجيرات وحوادث ارهابية تتصيد اللبنانيين على كل المستويات. وجاءت محاولة اغتيال الزميلة مي شدياق لتعزز هذه الصورة بحيث ان عدم استقرار سوريا ايضا من ضمن المثلث المضطرب المحيط بها يجعل الوضع صعبا جدا على بقية دول المنطقة كما على المجتمع الدولي الذي سيجد صعوبات في ادارة ازماته ومصالحه في المنطقة في ظل هذه الصورة الاقليمية.
هذا الموقف اعتبره متابعون تطمينا للاسد ان مصر لن تغطي اي محاولة لتغيير النظام في سوريا تسري شائعات في الصحافة العالمية في شأنها بين معلومات تؤكد ذلك واخرى تنفيه في مقابل نصائح تقول مصادر ديبلوماسية في بيروت انها اسديت الى الرئيس السوري للتعاون على نحو اكثر فاعلية مع القاضي الالماني المكلف التحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري ديتليف ميليس وخصوصا في ضوء معلومات عن رفض دمشق لقاءات طلب ميليس عقدها مع مسؤولين امنيين وسياسيين في القيادة السورية العليا فضلا عن ان المصلحة السورية تقضي بالتعاون الفعلي والعملاني مع هذا التحقيق.

وبحسب معلومات لمصادر واسعة الاطلاع فان تحرك ميليس في لبنان اولا ثم ما طلبه من دمشق احدث خللا في التوازن لدى سوريا. الا ان ميليس لم يطلع حتى الآن لا الولايات المتحدة ولا المسؤولين في الامم المتحدة على المعلومات التي يملكها ولم يوضح لاي مسؤول ماهية الادلة التي يحتفظ بها ضد المسؤولين الامنيين اللبنانيين الذين تم توقيفهم ولا كذلك نتائج تحقيقاته في سوريا. لكن ثمة انطباعا عاما انه يملك ادلة قوية.

وليس خافيا ان الولايات المتحدة مرتاحة الى العمل الذي يقوم به وواثقة وثوقا كاملا انه سيتوصل الى الحقيقة في حادث اغتيال الرئيس الحريري. ويعتقد المسؤولون في الادارة الاميركية ان ميليس يتمتع بالتصميم والعزم للوصول الى ما يريد الوصول اليه وهو رام مباشر سيقول الواقع كما هو. اضافة الى انه يتمتع بكل الوقت الكافي لايجاد الحقيقة. وهذا الانطباع لدى الاميركيين يشاركهم فيه عدد لا بأس به من الدول بما فيها روسيا التي كان لزيارة موفد الامين العام للامم المتحدة المكلف تنفيذ القرار 1559 تيري رود – لارسن لموسكو دور في تبديد بعض مخاوفها في شأن التحقيق ومهمة ميليس بحسب المعلومات نفسها.

هذه المعلومات تقود الى خلاصات مفادها ان ليس هناك خطط محددة في شأن سوريا لمرحلة ما بعد تقرير ميليس ومن الصعب التنبؤ بالاجراءات المحتملة التي يمكن اقتراحها على مجلس الامن في حال اتهم مسؤولون سوريون باغتيال الحريري. لكن لا عقوبات اميركية ضد سوريا انسجاما مع قانون محاسبة سوريا او قانون المواطنية، علما ان مسؤولين اميركيين كثرا يعتقدون ان قراري مجلس الامن 1559 و1595 أضعفا النظام السوري وأديا الى عزلة دولية قوية له منعت الرئيس السوري من المشاركة في القمة العالمية في نيويورك وقبل ذلك من زيارة تركيا. ومن غير المستبعد ان يقود هذان القراران الى تغييرات جوهرية يتخذها النظام السوري بنفسه ما دام اي تغيير للنظام ليس واردا او مطروحا في الوقت الحاضر على الروزنامة الاميركية. وثمة عوامل اخرى تضيفها هذه المعلومات تتحدث عن ان باريس ابلغت واشنطن انها لن تدعم فرض عقوبات اقتصادية على سوريا في حال وجه اليها ميليس اصابع الاتهام في اغتيال الرئيس الحريري لان اوروبا عارضت دوما استخدام العقوبات الاقتصادية ضد اي بلد وفرنسا لن تبدل او تغير اسلوبها في التعاطي مع هذه المسائل. لكن الاهم وفق المعلومات نفسها ان دولا عربية عدة مؤثرة باتت ترى وجوب ان تغير سوريا جذريا اداءها على الصعيد الاقليمي وتعتقد انها لن تفعل ذلك سوى تدريجا وعبر طريق الامم المتحدة وحدها وليس عبر اي سبيل آخر. لذلك فاذا كان من المبكر تحديد ما يمكن ان يطاول سوريا نتيجة تقرير ميليس في حال تم اتهام مسؤولين فيها فان النبوءة الوحيدة هي ان الولايات المتحدة ستبقى تعمل من خلال الامم المتحدة للضغط على سوريا.

مصادر
النهار (لبنان)