يتكرّر المشهد منذ فترة: عمل إرهابي، تكاثر الوافدين إلى المسرح أو المستشفى، سيل من التصريحات. أدخلت تعديلات طفيفة تمثلت في أن ضعف الجاذبية الإعلامية للحدث يمكن له أن يقلّل عدد الوافدين، ويخفّف من إعلان المواقف. إلا أن التعديل الأبرز كان، بلا شك، نشوء أكثرية نيابية جديدة، وتشكيل الحكومة، وانتقال بعض السلطة الأمنية من يد إلى يد، والتوزيع الجديد للأدوار بين المؤسسات المتعاطية في الموضوع.

يمكن القول، بهذا المعنى، إن المحاولة الآثمة التي تعرضت إليها الزميلة مي شدياق، أنهت فترة السماح الممنوحة للحكومة. لقد كان في وسعها أن تجادل بحداثة عهدها. بات ذلك صعباً الآن. إلا أن الحادثة، كما سابقاتها، أدت إلى ارتسام خريطة مواقف باتت واضحة:
أولاً هناك مَن يبادر إلى نعي الدولة، والتشهير بغياب الحكومة، والشكوى من تفكيك الأجهزة الأمنية، ولوم وزارة الداخلية على التقصير... وقد انضم إلى هذا الفريق بعض مَن كان في المعارضة السابقة ولم يصبح جزءاً من الأكثرية الجديدة.

ثانياً هناك مَن يندفع فوراً إلى اعتبار الجريمة والعجز حيالها نتاجاً لازدواجية مستمرة في السلطة ولشراكة مستمرة بين النظامين الأمنيين اللبناني والسوري. أي أن شقاً من السلطة هو المجرم هو القادر على تعطيل أي محاولة للشق الآخر من أجل وضع حد لما يجري. والاستنتاج السياسي من ذلك أنه لا بد من حسم هذه الثنائية.
ثالثاً تتولى الحكومة (بعضها) وعدد من مؤيديها التأكيد على أن ما يمكن القيام به يحصل. ويصل الأمر أحياناً إلى استخدامات غير موفقة إطلاقاً مثل تلك التي لجأ إليها وزير الداخلية حسن السبع الذي أقحم في الشبكة الأمنية الإجرامية مَن لا علاقة لهم بها، وانتهى إلى ما يشبه إعلان <<العجز الأبدي>>.

يمكن القول إن الطارئ على هذا المشهد العام هو صدور انتقادات من مراجع عليا في الأكثرية الجديدة تعبّر عن فقدان الصبر. غير أنها، في الواقع، انتقادات تنتسب إلى الرغبة في حسم الازدواجية ولو أنها مضطرة إلى تأجيل رغبتها انتظاراً لتقرير لجنة التحقيق الدولية.
إن الوضع الأمني الضاغط، وهو كذلك فعلاً، يستوجب، ربما، قدراً من التصويب للنقاش. إن المطلوب بداية هو البدء بالتمييز بين ما يمكن تسميته <<المئة في المئة جهد>> وبين <<المئة في المئة نتائج>>. ويفضي هذا التمييز إلى حصر المطالبة بالشق الأول لأن الوصول إلى إنجاز الشق الثاني هو، في الواقع، مستحيل.

يعني ما تقدم أن البحث يجب أن يطال الجهود المبذولة، واستكشاف أوجه التقصير فيها، والبحث عمّا يمكن فعله، والاطمئنان إلى أن الإمكانات متوافرة أو السعي إلى توفيرها (ليس مستحباً هذا اللجوء السريع إلى السفارات والأجهزة الأمنية الأجنبية)... وفي استطراد ذلك يجب الكف عن التصرف وكأن الحكومة أي حكومة فاشلة تماماً لمجرد وقوع عمل إرهابي أو أكثر. إن أخذ الأمور من خواتيمها يضيّع توجيه الأنظار وتركيزها على العنوان الجدي وهو خاص، أساساً، بالجهد.

إن استعراضاً لما يحصل في العالم حولنا، اليوم وبالأمس، يظهر لنا أن حكومات لا تشكو من الغياب ولا من الازدواجية
يمكن لها أن تواجه حالات شبيهة بما نواجهه، وأن دور الهيئات الرقابية، من برلمانية أو إعلامية أو أهلية، أن تبحث عن القصور في الاستعداد وتمتنع، إلا حيث يجب، عن <<تسييس>> أي ثغرة قد تبرز.
غير أننا، في لبنان، ننتمي إلى ثقافة سياسية معينة تجعل من هو في المعارضة قادراً على قول أي كلام وأن يطرح، في الأمن والسياسة والاقتصاد، مشاريع وأفكاراً لا علاقة لها بالقدرات الفعلية. وربما تعاني الحكومة الحالية من أنها كانت، قبل أسابيع، في المعارضة وكان بعض أطرافها يمارس الخفة في توجيه الاتهامات وفي الوصول إلى استنتاجات متسرعة. لقد انقلب السحر على الساحر بمعنى ما. ويتعزز ذلك من أن أنصاراً للحكومة الحالية يرسلون الكلام على عواهنه وبلا مسؤولية عندما يكون الموضوع في مصلحتهم ويشاركون، بذلك، في تدعيم الثقافة السياسية المشار إليها.

مصادر
السفير (لبنان)