مهما حاولت سوريا أن تتفادى استهدافها من قبل الولايات المتحدة فليس بإمكانها ذلك، لأن الأخيرة قررت عمداً مع سبق الإصرار استهداف سوريا منذ احتلالها العراق. ذلك ان سوريا ربما كانت مدرجة من قبل في الأجندة الامريكية وكذلك ايران، غير ان سوريا هي الأكثر استهدافا بحكم موقعها وحدودها مع الكيان الصهيوني وأيضا حدودها مع العراق.

ولقد بدأت الضغوط الأمريكية منذ أمد على سوريا. بدأت وكأنها تطالب بالإصلاح. ومسألة الإصلاح ورقة امريكية لا تبتغي من ورائها الإصلاح بقدر ما تهدف الى تحقيق مصالحها. وسوريا وكل الأقطار العربية تتصاعد فيها دعوات الإصلاح، وكان لزاما عليها وعلى غيرها ان تعتمد الإصلاح نهجاً قبل أن تطالب به الولايات المتحدة، فالإصلاح مطلب حضاري مشروع تطالب به الشعوب التي تفتقر الى الحريات وتنشد الديمقراطية وتصبو الى حماية حقوق الإنسان.

ولقد اعتمدت الولايات المتحدة على المطالبة بالإصلاح في سوريا، وكذلك طالبت بإغلاق مكاتب المنظمات الفلسطينية فيها باعتبار ان هذه المنظمات إرهابية وفق الرؤية الامريكية الصهيونية. ولقد استجابت سوريا لهذا المطلب، وإن لم تتم خطوات جادة في سبيل الإصلاح. وربما كان الوضع ماثلا في عدد من الأقطار العربية التي تنظر اليها الولايات المتحدة على انها حليفة، ولذلك فإن أي إصلاح جزئي او شكلي تقوم به هذه الأقطار تعتبره الولايات المتحدة خطوة في الاتجاه الصحيح. أما بالنسبة لسوريا، فالوضع مختلف، فأي إصلاح جزئي او شكلي تعتبره الولايات المتحدة غير كاف. انها تطالب بتلبية أمر ما ثم تتجاوز ذلك الى المطالبة بتلبية أمر آخر، وفي كل الأحوال يكون المبرر ان ما تم غير كاف.

لقد ركزت الولايات المتحدة على موضوع الحدود بين سوريا والعراق، واعتبرت سوريا مسؤولة عن تسلل المقاتلين عبر حدودها الى العراق، بل اعتبرتها تؤوي المقاتلين وتدربهم وتحمي عناصر من النظام العراقي السابق، وتحفظ اموالهم. وحاولت سوريا أن تثبت للولايات المتحدة انها تفعل ما بوسعها، ولكن الحدود طويلة، ولا يمكن منع المتسللين، وان على الولايات المتحدة، وهي صاحبة القوى الأعظم التي تحتل العراق، ان تحمي حدود العراق. ومثل هذا المنطق السوري غير مقبول أمريكياً، لأن الاستهداف لسوريا حاضر حتى لو أقدمت على تسليم عناصر من النظام العراقي السابقة، أو أفصحت عن أموالهم، أو قدمت أي تنازلات، فهي لن تحظى بالرضا الأمريكي، وسيكون محكوما عليها دائما بالاتهام والإدانة. ربما لم تقدم سوريا تنازلات كثيرة، وإن قدمت بعض التنازلات، ولكن حتى لو قدمت تنازلات اكثر، فإن هناك دائما حضوراً لمطالب امريكية اكثر.

وجاءت مسألة التحقيق الدولي في اغتيال رفيق الحريري لتعطي فرصة تاريخية للولايات المتحدة سواء كانت سوريا ضالعة أو غير ضالعة. فهي ان اعتبرها التحقيق ضالعة فستستثمر الولايات المتحدة هذه المسألة على اساس انها ادانة لسوريا، وانها دولة خارجة على القانون، وقد لوحت او لم تستبعد امكان استخدام القوة إن لزم الأمر. وهي ان لم تكن ضالعة، فستظل محور استهداف امريكي، حتى لو برأ التحقيق الدولي ساحتها. فالمسألة ليست مسألة التحقيق الدولي، وإنما تتجاوز ذلك كثيرا في إطار استراتيجية امريكية واضحة المعالم والأهداف.

ربما بدا لبنان حتى قبل اغتيال رفيق الحريري، ساحة مناسبة او منصة مناسبة للسياسة الامريكية بغطاء دولي تحت مظلة القرار ،1559 وجاءت قضية الاغتيال فأشطت الساحة، ووجهت الكثير من الاتهامات الى سوريا منذ اليوم الاول، وانسحبت سوريا من لبنان. وربما كان على سوريا ان تنسحب من لبنان قبل ذلك بكثير ومنذ ان تم تحرير الجنوب من الكيان الصهيوني على يد المقاومة الباسلة، وكان عليها أن تقرأ جيدا المستجدات والمتغيرات في لبنان، والتوجهات الامريكية واستقطاب لبنان ليكون حلبة المواجهة مع سوريا.

ولا ريب أن وضع سوريا بالنسبة للكيان الصهيوني هو محور أساسي في هذا الاستهداف. فهي القطر العربي الرئيسي الذي لم يعقد معاهدة سلام معه، وكان موقفه التوافقي مع لبنان مبعث قلق للولايات المتحدة. صحيح انه ليس هناك تهديد سوري حقيقي للكيان الصهيوني، بل ان الكيان الصهيوني بترسانته المتطورة والمتفوقة امريكياً، هو مصدر التهديد في المنطقة، وهو الذي يبادر الى ممارسة اعتداءاته على سوريا.

ولما كانت القضية الفلسطينية، وفق الرؤية الصهيونية الامريكية هدفاً استراتيجياً لأمريكا و”إسرائيل” فإن الولايات المتحدة تبحث عن سوريا حليفة ومنضوية تماما تحت المظلة الامريكية، وهذا ما بدأته في لبنان، وتحاول ان تكمله، لولا ان المقاومة تقف حجر عثرة في طريقها.

فكيف ستأتي بسوريا حليفة، وبأي وسيلة؟ سؤال تكاد إجابته تبدو واضحة في الأفق.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)