عندما اعتقلت قوات الشرطة اللبنانية أربعة من القادة السابقين في الجيش والاستخبارات، والمؤيدين للنظام السوري، للاشتباه بهم في جريمة اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، أدرك المعلقون العرب فوراً أن هناك شيئاً هاماً جداً يحدث – ليس في لبنان فحسب بل في العالم العربي بأكمله.

جاء هذا الاعتقال بناءً على طلب المحقق ديتليف ميليس، رئيس فريق تحقيقات الأمم المتحدة في القضية، وعلى الرغم من أن الدولة اللبنانية كانت تتمتع بسيادتها، غير أنها لم تكن قادرة على القيام بذلك دون الدعم الدولي الذي قدمه ميليس.
ترى راغدة ضرغام من صحيفة الحياة أن التحقيق " سيحدث زلزالاً في المنطقة العربية بأكملها... فقد انتهت حقبة الاغتيالات السياسية". أما رامي خوري من صحيفة الديلي ستار في بيروت فيرى أن الاعتقالات تشكل "نقطة انعطاف تاريخية حقيقة قادرة على زعزعة هيمنة المؤسسات العسكرية والأمنية العربية على السلطة السياسية" و" سيكون لها تأثير على المنطقة مشابه لتأثير حركة اتحاد نقابات العمال التي ولدت في أوربا الشرقية منذ 25 عاماً ماضية... والتي قادت في النهاية إلى انهيار نظام الدولة الشيوعي".

قد يكون هذا صحيحاً، ولكن عملية التغيير هذه سوف تلقى مقاومة شديدة جداً، خاصة وبالدرجة الأولى في المكان الأول الذي يجب أن تتم فيه عملية التغيير إذا أريد لها أن تترسخ في لبنان ناهيك عن بقية أنحاء العالم العربي، وهذا المكان هو دمشق، العاصمة التي باشر فيها ميليس الأسبوع الماضي التوسع الحاسم في مهمته.
المضامين المتعلقة بقضية الحريري في المنطقة تستند إلى الحقيقة الثابتة التي تقول أن ما يحدث في جزء من الوطن العربي لابد سيكون له تأثير نموذجي على باقي الأجزاء، خاصة إذا كان شيئاً بنّاءاً. كما أنها تستند أيضاً إلى حقيقة معاصرة وهي أن هذه الأمة أصبحت اليوم مستهدفة بشكل أساسي من قبل التدخلات الخارجية، سواء من قبل الولايات المتحدة، أوربا، أو الأمم المتحدة. والهدف المعلن من هذا التدخل هو معالجة الأمراض التي أصابت الأمة من استبداد، إرهاب، وإساءة لحقوق الإنسان، باعتبار أن هذه الأمراض هي سبب الوضع المحفوف بالمخاطر الذي يواجهه العالم اليوم.

لذا يرى الفكر العربي أن هناك ارتباطاً واضحاً بين التدخل الحالي في لبنان على صعيد مصغر، والتدخل الأوسع نطاقاً في العراق.
إذا كان انسحاب الجيش السوري من لبنان قد وجه إلى النظام البعثي ضربة قوية، فإن ضربة ميليس قد تكون القاضية، هذا ما يعتقده العديد من السوريين ولهذا السبب فإن مزيجاً من الحماسة والخوف ينتاب سوريا.

الأسد يواجه وضعاً لا يحسد عليه، ويبدو أنه محتار. ترحيبه بميليس في دمشق كان يمثل- من منطلق السيادة الوطنية- تنازلاً عن موقف كان يتمسك به، لكن لو ثبت الاتهام على سوريا وتطلب الأمر تحقيقاً أوسع أو محاكمة فهل سيقدم المزيد من التنازلات؟ فالعديد من السوريين يعتقدون أن الأسد لن يلجأ إلى إنقاذ نفسه وجزء من نظامه من خلال التضحية بالجزء الآخر، وأن هذا بالنسبة له خط أحمر لن يجتازه.

من ناحية أخرى فإن تحدي ميليس وتصوير العمل الذي يقوم به على أنه مؤامرة أمريكية هو نوع من الانتحار في النهاية.

مصادر
الغارديان (لندن)