أهلا وسهلا ومرحبا بكارين هيوز وكيلة وزيرة الخارجية الاميركية للشؤون الديبلوماسية العامة في مصر حيث الشعار السياحي الابرز «البيت بيتك» وفي المملكة العربية السعودية حيث المقام الآمن وفي تركيا الحليف الدائم,,, بضمانة المؤسسة العسكرية.

أهلا وسهلا بها متجولة في الاماكن السياحية، ومفاوضة للقوى السياسية والاجتماعية، ومتناولة الطعام في ابسط المطاعم واغلاها، ومحاورة الطالبات في جدة وحاملة فانوس رمضان في حي الحسين الشهير بنغمته «حالو يا حالو رمضان كريم يا حالو».
أهلا وسهلا بهذه الصحافية السابقة التي يقول من يعرفها انها كانت تتمتع في صباها بمقومات جمال لم تبرز كثيرا نتيجة تفوقها في مهنتها وفي قدرتها على توظيف مهاراتها في العلاقات العامة لمصلحة المؤسسة التي تعمل لديها او الفكرة التي تعمل على تسويقها,,, بحيث كانت جاذبية الانوثة تتوارى طوعا امام حضور الموهبة ومهابتها.

أهلا وسهلا بمن تفوقت في عملها داخليا وخدمت الرئيس الذي كانت مستشارته بكفاءة قل نظيرها وعجز عن تأديتها الرجال، فهي كانت احد امضى اسلحة المواجهة مع الديموقراطيين على الارض حين قادت حملة تلميع صورة الرئيس واظهاره المدافع الاول عن حقوق الاميركيين وآمالهم وامنهم، واستطاعت تحقيق اختراق شعبي صاعق للجمهوريين في مناطق لم تكن تدين تاريخيا لهم بالولاء.

أهلا وسهلا بمن قدمت نفسها نموذجا للاميركية المبدئية المحافظة الحريصة على تأصيل القيم الاسرية والاخلاقية والانسانية في سلوكها وسياساتها، وبمن رفعت يدها اليمنى مقسمة على الدستور مستهلة مهمتها الجديدة فيما يدها اليسرى في يد زوجها المتطلع اليها بنظرات ممزوجة بالفخر والقلق.
اذا، كارين هيوز، التي اولاها بوش وكوندوليزا رايس ثقة مطلقة بها وبعملها تبدأ مهماتها بجولة لتحسين صورة الولايات المتحدة عربيا واسلاميا ولتأخذ فكرة عن قرب عما يجول في خاطر المسؤولين والسياسيين واعضاء هيئات المجتمع المدني والاقتصاديين وغيرهم بالنسبة الى السياسة الاميركية وكيفية الوصول الى قواسم مشتركة تتعلق بالعناوين العامة لهذه السياسة واهمها الحريات والديموقراطية وحقوق الانسان ومواجهة الارهاب.

كارين هيوز في بيتنا؟ يا مرحبا يا مرحبا، البيت بيتها لكنها تكبدت عناء الترحال ومشقة السفر ليسمع المسؤولون منها لا لتسمع منهم، ولتتلو علينا مجددا خطاب التوجه الاميركي الواحد الذي لخصه الرئيس بوش بقوله: «نحاربهم هناك حتى لا يحاربونا هنا»، ومن ضمن اسلحة الحرب طبعا(اضافة الى المارينز) نشر ثقافة التسامح وتعديل المناهج وتعميق الحريات ونشر الديموقراطية واصلاح الانظمة ومحاربة الفساد وتثبيت حضور المجتمع المدني,,, وكلها امور مطلوبة عربيا واسلاميا في الحقيقة اكثر مما هي مطلوبة اميركيا ولكن هل نحن (على اخطائنا وخطايانا) سبب العلة الوحيدة في اسطر السواد بين صفحات العلاقة مع ماما امريكا؟

في جدة، حيث ابدت هيوز ملاحظات على حقوق الانسان، كشفت بوضوح ان مهمتها في الاساس ثلاثية الابعاد: تشجيع الطلاب الصغار على ثقافة التسامح والتواصل مع الآخرين، عزل وتهميش دعاة العنف ثقافيا وتربويا وقامعي حقوق الطالبات والنساء عموما، تلاقي الحضارات والاديان عبر نشر وترويج ثقافة التسامح ومنح المواطنين القدرة على المشاركة في كل نواحي الحياة في بلدانهم والتعبير عن انفسهم بقوة وصلابة.
هذه المهمة (في الظاهر) لا علاقة لها بتحسين صورة اميركا عربيا واسلاميا بل بتحسين صورة الانظمة والمجتمعات العربية والاسلامية امام شعوبها وامام اميركا ايضا، واذا كان المعنى غير الظاهري لها يؤدي الى فرضية ان تعميم القيم المشتركة سيؤدي بالضرورة الى تلاشي السواد تدريجيا من صور التعاون فان الكثير مطلوب هنا من الاميركيين لاثبات مصداقيتهم في هذا المجال.

نعم، العرب والمسلمون يحتاجون الى كل ما ذكرته هيوز ويحتاجون الى ما هو اكثر ايضا، يحتاجون الى انسجام اميركا مع مبادئها في مقاربة القضية المركزية في الشرق الاوسط، ووقف ازدواجية المعايير في التعامل مع الضحية والجلاد, يحتاجون ادارة اميركية لا تفرض عقوبات على انظمة قامعة وعنصرية وتعارض في الوقت نفسه الارادة الدولية العامة الداعية الى هدم الجدار العنصري الاسرائيلي, يحتاجون الى عدم اخضاع قضايا الحريات وحقوق الانسان في العالمين العربي والاسلامي تحديدا الى منطق الصفقات والتسويات وعقود العمل الضخمة برا وبحرا وجوا,,, ونفطا, ويحتاجون الى كل مساعدة اميركية لتطوير القضاء واجهزة الرقابة وتثبيت المجتمع المدني ومكافحة الامية والفقر والمرض ولا يريدون نسيان ذلك كله في صفقة اسلحة قمع وتعذيب ومقاتلات متطورة ودبابات حديثة وبوارج وغواصات.

ما يريده العرب والمسلمون كشعب هو تحديدا ما يريده الاميركيون كشعب، مساواة وحريات واصلاحات دائمة وقوانين رادعة ودساتير وتداول سلطة وتجديد دماء الحكم وعدالة,,, ولا يكفي كارين هيوز لتحقيق ذلك الاستماع الى قادة ومسؤولين ومجموعات طلابية واعلامية، فالقصة اعقد من ذلك بكثير، هي قصتنا الدائمة كعرب ومسلمين في رفض التطور بمختلف الحجج، وقصتكم الدائمة كأميركيين في رفض التعاطي الايجابي مع قضايانا العادلة وبمختلف الحجج.

كارين هيوز عندنا، البيت بيتك، ومهمتك في الحقيقة رائعة، لكن حمل فانوس رمضان في حي الحسين المصري لا يؤدي الى تحسين الصورة او تغييرها,,, الصورة قد تتغير فقط بمصباح علاء الدين، والمشكلة ان المصباح الآن في يد معروفة تفركه صباح كل يوم فيخرج المارد الاميركي منه صائحا: «شبيك لبيك اطلب وتمنى».

مصادر
الرأي العام (الكويت)