ليس من المستبعد أن تصبح الهوية رمزا لحالة من الوحدانية المطلقة .. هذا على الأقل ما يوحيه تيار الأحداث منذ عقد من الزمن، حيث يبدو ان هناك تصعيد على محورين:

الأول: يتحدث عن خصوصيات ثقافية.

والثانية: فتن متفرقة تكون نهايتها إما الهجرة أو الانكماش.

الصورة اليوم تنقل أخبارا عن دستور عراقي مقسم ما بين عرب وأكراد ... وسنة وشيعة .. وتوتر سكاني داخل "العملية الديمقراطية". هذه العملية التي من المفترض أن تخلق بوابة السلم الاجتماعي لا أن تصبح جحيم التوتر اليومي، مع الدعوات إلى التكفير أحيانا أو إلى التعامل بحكمة مع بوادر حرب أهلية في العراق.

ومن الممكن اليوم أن نرى بشكل واضح ان التوتر لا يتعلق بالحملات الخارجية او بالاحتقان الداخلي، بل هو شكل طبيعي لتطور الحدث السياسي الدولي، بعد أن غدت المعركة بين "الطرفين" مهما اختلفت التسميات. لكن الطرف الأول يوحي بعمق ثقافي "إسلامي" حتى ولو كان زائفا. والثاني يشير إلى بعد "مسيحي" !!

تشكيل اللون الواحد لمنطقتنا يعني سحب الحياة منها، لأنها تكونت عبر المزيج الحضاري. والتركيز على الخصوصيات الثقافية شأن هام لكن عليه أن يخرج من دائرة الحرب الحالية، فعمليات التهجير أو العزل ليست جديدة، وهي ظهرت منذ أن بدأ الزحف نحو العالم الجديد أواخر القرن التاسع عشر. ورغم الأعداد الكبيرة التي استوطنت الأمريكيتين، لكن شرقي المتوسط بقي غنيا بتنوع ثقافته.

في الماضي لم تكن مسألة اضطهاد "الأقليات" (مع التحفظ الشديد على المصطلح) تشكل هاجسا عاما، لأن المنطقة كانت تعيش بداية وعيها لذاتها. لكن المسألة اليوم مختلفة لأنها تحمل طابع التطرف سواء من الولايات المتحدة أو المجموعات الأخرى التي زرعت النار والدم في العراق، مع تميزها عن المقاومة.

وإذا كان الغد سيحمل لونا واحدا فهذا يعني عملية فرز تاريخي بعد الفرز الذي حصل نتيجة وعد بلفور .. بالطبع وفق السياق العام فإن هذه المسألة ما تزال بعيدة .. لكن تعاقب الأحداث يجعلها مقلقة .. مقلقة ... مقلقة.

مصادر
سورية الغد (دمشق)