يوم نسفت العبوة المتفجرة موكب الحريري في 14 شباط كانت تنهي كل أوهام العشاق في عيد فلانتين، لكن العشاق ليسوا بالضرورة أصحاب مذهب "مجنون ليلى" أو "نزار قباني" ... فهناك وهم العشق الذي تبدى يوما في طبيعة الإجراء السياسي. وربما بمراجعة سريعة نكتشف أننا غارقون في مرض "الهوى"؛ فيبدو أن عشقنا خلاص بينما يكون "مصيدة" إن صح التعبير.

والمشكلة في إخضاع الإجراء السياسي لانفعالنا النفسي الذي ورثناه من حساسية "القبائل"، ومن الأيام الطويلة في الصحراء، فنسينا أن "الثورة الزراعية" قبل آلاف الأعوام أنتجت انطباعات نفسية منفصلة عن "المصلحة العامة"، أو عن الحياة السياسية أو حتى عن الثقافة الاجتماعية.

رهاننا عبر ثلاثين عاما في طبيعة العلاقات بين سورية ولبنان لم ينسفه الحدث السياسي، أو الرغبات الحاقدة التي كتبت الاغتيال كعلامة فارقة في مسيرة مجتمعاتنا ... ولم يعرقل هذه العلاقات صورة الفساد التي يفضحها الإعلام اليوم، مهما كانت جهة المفسدين، إنما كانت صورة "الحقيقة" التي افترضنا أنها موثقة في العقل وداخل ثقافة المجتمعين.

صورة "الحقيقة" المنسوجة على بوابة "العشق" تنسحب على طيف حياتنا السياسية، مفترضين أن عمليات الاقناع العقلي مع سيل العواطف قادر على تشكيل الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي. وافترضنا أيضا أن "العشق" السياسي لا يفرق وأن عمليات التضاد داخل المجتمع حالة زائلة ومضللة، وريما يقف وراءها سيل من المؤامرات. بينما أظهرت "الواقعة" اللبنانية أن السيل الإعلامي على سبيل المثال قادر على تبديل العشق وحتى إعادة صياغة الوجوه وربما العقول.

من التجربة اللبنانية التي حملت "الصيف الحار" أعاد البعض نسج صور "العشق" باتجاهات جديدة. فحتى العقلانية السياسية مبنية على "العشق" الليبرالي أو "المدني" أو الفردوس المفقود .. والموجود في شعاراتنا السياسية من الإيدلوجيا الماركسية وصولا إلى الأخوان المسلمين.

ومن التجربة اللبنانية ربما علينا معرفة أن في الحياة هناك "الجحيم" المفقود لأن الحياة مستمرة بالاحتمالات وليس بالحقائق المطلقة ... هذه الاحتمالات التي نرسم عليها المستقبل ونحن نعرف أن القادم ليس الجنة وليس النار، بل هو الجهد الإنساني المبذول لإقرار قناعاتنا أو لنسفها تماما.

من التجربة اللبنانية يمكننا أن نقرأ تاريخ أحزابنا وأفكارنا .. وحتى سعينا نحو القادم .. أن المشكلة ليست في "الصيف الحار" الذي اجتاحنا، بل في قدرتنا على التعامل مع قانون الحياة بدلا من الحقائق المطلقة.